فن و ثقافة

أزمة الدراما السورية الراهنة : من الجهات الإنتاجية إلى الفنان-1

عماد نداّف

 

خاص

الأزمة التي تعيشها الدراما التلفزيونية واضحة وجلية، ولايمكن التستر عليها، حتى ولو انتشر الفنان السوري في الدراما العربية والإقليمية وقطف نجوميته بسرعة أو حتى تمكن من الوصول إلى السينما العالمية.

والجميع يعرفون أن الحرب كانت أحد أسباب أزمة الدراما، كما هو الحال في باقي قطاعات المجتمع السوري، لكن لم يكن أحد يتصور أن تتوقف الدراما التلفزيونية السورية في قطاعاتها الحكومية عام 2023 مع ترجع زخم الحرب وارتفاع وتيرة الأزمة الاقتصادية.

هذا يعني أن خللاً أصاب بنية هذه الصناعة الرائجة والرابحة على صعيد نشر المحتوى السوري الخاص بدراما البيت وعلى الصعيد المادي، مع أن دراما القطاع العام هي الرائدة، وهي التي أسست للمشروع الدرامي السوري، وتمكن في مرحلتين متتاليتين من النجاح في صناعة النجوم وترويج المحتوى واكتساب جمهور للشاشة السورية الصغيرة، ثم شق طريقه إلى المشاهد العربي بقوة وكانت سوقه ساخنة.

ومع نشوء القطاع الخاص الإنتاجي انتقلت هذه الصناعة إلى مرحلة جديدة جعلتها مدرسة عربية منافسة، ونشأ تعاون إنتاجي عربي في أكثر من مرحلة ، والسؤال الآن : من هو المسؤول عن الواقع الحالي؟ هل هي الحرب؟ هل هو الحصار؟ هل هي آليات العمل السائدة التي لم تواكب التطور الذي حصل مع نهوض الانتاج الدرامي ؟

الأجوبة كثيرة وجرى اجترارها في أكثر من دراسة وندوة وورشة عمل، لكن النتيجة كانت أن الأزمة استمرت، وتعمقت ، وليس هناك من أفق للحل، والأخطر أن الإنتاج الآخر يشق أسواقا جديدة، ويروج للمحتوى الذي يريده، حتى وهو يستخدم الخبرة السورية !

جرى إنشاء المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، ومن خلالها انطلق الرهان على مرحلة جديدة، وكانت أولى خسائر هذه الخطوة هو ضعف مديرية الإنتاج التلفزيوني وتراجع أدائها إلى أن توقفت، حتى وإن عوضت المؤسسة شيئاً من هذا التراجع أو التوقف في مراحلها الأولى.

في الموسم الرمضاني الماضي 2022 ــ2023 لم تنتج المؤسسة العامة للإنتاج الدرامي شيئاً هاما مع المحاولة  الجادة في طرح مسلسل (الفرسان الثلاثة) ، لكن المفاجأة كانت أن الإنتاج توقف بعدها، وخسرنا إنتاج هذه المؤسسة رغم الحماسة البالغة في طواقم عملها التي سعت بكل السبل إلى عدم التوقف، وأيضا استمر توقف مديرية الإنتاج التلفزيوني في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

وعند التدقيق في الأسباب تتسع دائرة الرؤية أمامنا ونكتشف جانبا من المعطيات المتعلقة بالأزمة، فنواظم العمل القديمة لم تواكب الظروف الجديدة للحرب وقضية أسعار الصرف التي انعكست على الاقتصاد كله، فمخصصات المؤسسة كانت قادرة على الدخول في موسم جديد مقبول يكسر حدة الأزمة، إلا أن السقوف القديمة للأجور (الكاست الفني والممثلون) حالت دون ذلك، ولم يكن من الممكن التفاوض مع أي كادر على سقف مالي محدود وضيق، وكان الاستثناء هو الحل، ونتيجة لتجربة (الفرسان الثلاثة) أحجمت الجهات المختصة الوصائية عن منح هذا الاستثناء من جديد.

وكانت الفرصة الوحيدة هي اللجوء للحكومة من أجل رفع سقف الأجور عدة مرات، واحتاج ذلك شهور طويلة، وعندما كان يمكن أن يحل المشكلة، تغير سعر الصرف من جديد، ولم يعد رفع السقف مجديا وعدنا للمراوحة، إذا لايمكن الشروع بإنتاج ينأى عنه الفنان والفني لعدم معقولية الأجور، ولا الطاقم الفني للسبب نفسه.

وغدت المؤسسة العامة للإنتاج الدرامي مجمدة، وتنتظر فرجا من الغيب.

والغريب هنا الحكومة نفسها اهتمت بورشة الدراما التي أقامتها وزارة الإعلام مع لجنة صناعة السينما وقدمت تسهيلات هامة للقطاع الخاص، ولم يلتفت أحد إلى إيجاد حل جذري للجهات الإنتاجية الحكومية .

ومن جهتهم لم يبادر الفنانون ولا طواقم العمل لنجدة هذه المؤسسة، ولو بعمل (تطوعي، شبه مجاني واحد)، وكان المؤسسة معروفة بالحضن الدافيء لهم، والتي ارتفعت الأصوات قبل سنوات لمنح الفرص  بتساوي الفرص وتم إطلاق المشروع الباهت (المريض) تحت عنوان (خبز الحياة)..

ماذا فعل الفنان السوري، وخاصة في الصف الأول ؟ وجدا حلولا تناسبه واتجه إلى القطات الإنتاجية الخاصة والعربية والإقليمية وحقق نجاحا باهرا ، ضاربا بعرض الحائط بمصير المؤسسات التي احتضنته، وصار دخل النجم الواحد من الممثلين السوريين في الدراما الإقليمية يوازي أحيانا نصف موازنة المؤسسة العامة للإنتاج الدرامي..

لم تنقل الدراما السورية ، كما هو حال الثقافة عندنا أي اهتمام جدي بإيجاد الحلول لعدة الحيوية إليها، وتم ترك الأمور تجري على حالها، وفقد السوريون الأداء الذي يحتاجون إليه في صناعة يعتزون بها !

الحلقة التالية : الفنان والأزمة

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى