أسطورة الذكريات” حكايات راهنة تجمع بين العام والخاص
تقدم الكاتبة ربا الناصر في مجموعتها القصصية الصادرة حديثًا “أسطورة الذكريات” مواقف من واقع الحياة نمرُّ بها مرور الكرام رغم ما فيها من عبر تستحق التوقف عندها مطولًا وتخبرُ القارئ في مقدمة قصيرة بأنها قامت بصياغة هذه القصص بأسلوبها الخاص الذي يعكس وجهة نظرها، ويخلق جوًّا من المتعة أثناء القراءة، فيترك انطباعًا إيجابيًّا تجاه الرمزية والمغزى المتضمنين في تلك القصص، ويأخذ القارئ إلى عالم تلك القصص ليعايش أحداثها ويشعر كأنه هو بطل القصة وجاءت المجموعة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 100 صفحة من القطع المتوسط، وأهدتها المؤلفة إلى أمها التي وصفتها بأنها “ملهمتي وسندي في الحياة، وأول من آمن بموهبتي”، وإلى روح والدها الغائب الحاضر، وروح جدتها آمنة أبو غنيمة؛ ثاني معلمة وإحدى رائدات تعليم الإناث في الأردن.
وضمت المجموعة ست عشرة قصة تنوعت فيها الأساليب السردية، فلجأت المؤلفة أحيانًا إلى الرمز والغموض، وأحيانًا أخرى إلى الوضوح، ضمن لغة رشيقة تصل إلى غايتها بمنتهى الوضوح واليسر.
تقول الناصر في قصة “المهرج” التي توازن فيها بين قيمة الحلم والواقع في حياتنا اليومية: «تملك الفضول عقل المهرج، فاقترب من الشجرة وهو يتساءل: أيعقل أن تكون هذه الشجرة سحرية كما يرد في القصص الغابرة والأساطير؟. حاول لمس جذعها، لكن شيئا لم يحدث، فقام بهزها لعلها تُسقط ذهبًا أو ما شابهه. لكنها لم تُسقط شيئا مكتفية بإظهار شقوق على سطح الأرض امتدت منها حتى استقرت على مرمى ذراع من مكان وقوفه مكونة حفرة سطحية، اشتعلت بذلك نار الحماسة في صدره، ورجَّحت كفة اليقين في أن هذه الحفرة تحوي كنزا دفينا. وفعلا فكر في إحضار معول من بيته واستجمع كلَّ قواه».
وتخاطب الإنسان في قصتها المفتتح «أسطورة الذكريات» قائلة: «أيها الإنسان، يا من تحاول اكتساب الحكمة، اذهب إلى المكان الذي يرشدك إليه قلبك، فهناك تكمن الإجابة».
وتخبر على لسان بطل القصة في نص شاعري يجسد علاقة الإنسان بالطبيعة:
«عندما أغمضت الأزهار عيونها وبدأت خيالات الصخور بالاستطالة، ودبَّ الصمت في المكان، قررتُ الرجوع من حيث أتيت. وقد وجدت شيئا هنا في رحم الطبيعة، شيئا لن تمحوه دموع الخريف ولن تميته قسوة الشتاء، شيئا يتجلَّد ويحيا في الربيع ويزهر في الصيف. وجدت مفتاحًا لسؤالي، لكني أيضا وجدت ذكريات تقبع في أحشاء ذلك المكان، ذكريات لا يفهمها إلا من يشعر بها ويعيشها».
واهتمت المؤلفة كذلك بإبراز التفاصيل المكانية لمسرح الأحداث في جميع قصصها، وبإبراز المشاعر التي كانت تحرك الأبطال والبطلات فوق هذا المسرح. تقول في قصة «لوحة الفتى والسيدة والعجوز»:
«علِّقتُ بعناية فائقة على جدار غرفة الجلوس. كنت اللوحة الفنية الوحيدة في هذه الغرفة. كانت غرفة صغيرة مكتظة بالأثاث ومقتنيات متناثرة هنا وهناك، إلا أنها بدت عزيزة على قلب هذه العجوز. كانت قبالتي مباشرة أريكة مختلفة عن بقية الأرائك في هذه الغرفة في حجمها ولونها؛ فقد كان لونها أزرق مخططًا. ووُضعت على مقربة منها منضدة سطحها دائريُّ الشكل. كانت السيدة العجوز تبدأ يومها بالجلوس على هذه الأريكة محتسية كوبًا من الشاي، وهي تتصفح الجريدة التي يحضرها حارس العقار في كل صباح».
وتنوعت المواضيع التي تناولتها القصص، فأبرزت الكاتبة خلالها قضايا فردية تصلح لأن تعمم بسبب ارتباطها بالواقع الراهن الذي تعيشه الشخصيات، وأخرى عامة تمثل انعكاسا لما تمر به مجتمعاتنا من هموم وصراعات. فتحدثت عن اللاجئين ومخيمات اللجوء، وعن أحلام الشباب بالهجرة إلى الخارج، وعن دور الرعاية، وكبار السن، والحروب، وهموم المرأة، والحنين، والذكريات، وسوى ذلك من مواضيع تشكل واقعنا اليومي الراهن.
يذكر أن ربا كامل عسكر الناصر حاصلة على شهادة البكالوريوس في الهندسة الصناعية من الجامعة الهاشمية (2008). وشهادة الماجستير في إدارة الاعمال في الجامعة الالمانية الأردنية (2012)، وسبق لها أن حازت جوائز في مسابقات للقصة القصيرة من بينها: مسابقة يعقوب العودات للإبداع الشبابي 2009، وجائزة سواليف في العامين 2016، و2017.