كتاب الموقعنوافذ

البلاد الوضيعة

البلاد الوضيعة… “الأغلال لا يتركها الناس بسهولة… تحتاج إلى حفلة وداع صاخبة!”

حين قررت أن أصبح ثرياً سريعاً اخترت المهنة الرائجة هذه الأيام… تجارة الأسلحة. وقررت عدة مبادئ أخلاقية موروثة من الوصايا العشر، مع بعض التعديلات الملائمة. منها:
أن أكون حيادياً، لا أتدخل في الصراع الدائر. مهما اشتدت المعارك. وأبيع لجهة واحدة لديها مشروع “تغيير ديمقراطي” وتدافع عن نفسها وعن مشروعها بالحق المشروع للدفاع عن النفس.
بعد فترة، وككل مهنة، عدّلت قليلاً، والحقيقة أجبرتني الظروف على التعديل، فمثلاً أحياناً لا أعرف الجهة المشترية الشريفة من الجهة الأخرى غير الشريفة. فاضطررت لخرق المبدأ، الآنف الذكر، وأبيع السلاح والذخيرة لمن يطلب ويدفع (أي للطرفين) !
وتخليت عن مبدأ استقرار السعر وترخيص بعض القطع حسب المنشأ “فالبومب أكشن”، تركية الصنع، أرخص ، ولكن “الرومنغتون” الأمريكية أكثر فعالية وتتسع لعشر طلقات، وكل طلقة تحوي تسع حبات “زرد” أي ثلاثة أضعاف ما ترشقه بندقية الكلاشينكوف.
ازدهرت تجارتي وأصبحت، بعد وقت قصير ، مسيطراً على السوق ، بعدة طرق، وسأذكر واحدة منها:
للقضاء على المنافسين في السوق، كلفت عدة أشخاص (الوسطاء الصغار) ببيع أسلحة لتجار معتبرين، وخصوصاً على الحدود التركية، مغشوشة قليلاً، كأن تنكسر إبرة البومب أكشن بعد أيام قليلة من الاستعمال. بعتهم ذخيرة “خردق” على أنها “زرد” وهي طلقات لا تقتل كثيراً إلا عن مسافة قريبة. وهكذا، بقليل من ترويج الفساد في البضاعة، أخرجت من السوق عدداً من المنافسين… وأصبحت بضاعتي مضمونة القتل …
وسمّوني البائع الشريف.
بعد فترة من الثروة، التي لم أعد أعرف كيف أكدسها وأين؟… حتى أنني صرت أخزن المال بأكياس الزباله .
لاحقاً…عرضت علي تجارة أخرى هي ” تعهدات الخطف المستقل” . وهذه تعتمد على جدول بأنواع الضحايا وأسعارها (بنت . إمرأة. رجل . غني. ابن عائلة. ابن لون طائفي. .إلخ) وبدأت أشغّل عدداً من السائقين. وما على السائق سوى انحراف بسيط من عنوان إلى عنوان لتسليم البضاعة، وبعدها يصلني حصتي من الفدية المطلوبة !
إلا أن شيئاً قد خربط الدنيا، ذات يوم، لم أفكر به أبداً :
خطفوا ابني (17 سنة) وطلبوا فدية 5 ملايين، وقالوا :
نعرف أنك أصبحت غنياً،
ولا بد من المشاركة.
حدّدوا موعداً ومكاناً، وحذروني بأن أكون وحدي مع المبلغ.
كانوا ثلاثة من الملثمين، (المسلحين طبعاً) تركت كيس النقود، بناء على أمرهم، دون النزول من السيارة وأرسلوا ابني مكبلاً. وقالوا، وهم يفتحون الكيس:
إن غشيتنا ستعرف ما العاقبة !
كنت قد وضعت كلاشنكوف في السيارة. عندما أداروا ظهورهم ومضوا… أطلقت مخزناً كاملاً في ظهورهم.
نزلت من السيارة. كانوا موتى. كشفت الشماخات عن وجوههم. وذهلت ….
كان الثلاثة أولاد أخي !
………………………………………………………………
أعلن توبتي عن تجارة السلاح . فلدي هذا الدرس البليغ.
ولدي هذا المال الكافي للسفر خارج هذه…” البلاد…الوضيعة” !

 

26.10.2013

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى