كتاب الموقعنوافذ

العناد الجمالي

ـ انا أشقر وآسيوي. عيناي زرقاوان وأفريقي ـ

العناد الجمالي

وجّه الشاعر التركي ناظم حكمت أكثر من شكر في قصائده… لمن؟
للقرن العشرين.
في القرن العشرين لم يحدث شيء يستحق الهجاء. بنظر التفاؤلية المبتسمة للماركسية السوفييتيه وللأحزاب الشيوعية التابعة، وفي كل مكان، بما فيها الحزب الشيوعي التركي، وصوته الشعري ناظم حكمت.

سبعون مليون بني آدم قتلوا.
مئات آلاف المدن سوّيت بالأرض.
ملايين من المشردين.
ملايين من المعاقين.
أوروبا تأكل عشب الجدران.
وسنوات سنوات من الحرمان وقسوة إعادة العمران .
وثمة من يقول: شكراً للقرن العشرين… وفي الشعر.
والحقيقة أن ناظم حكمت لم يكن بائس البصر، وناعس البصيرة. وإنما كان يرى حاجة أجيال وأجيال إلى تلك الشمعة الصغيرة المتبقية بعد مرور هذه الكميات الرهيبة من الظلمات.
كان ناظم حكمت، مثله مثل كل الكتاب والشعراء، تلك الأيام، يحاول أن يرى برنامج الحياة وهو ينفذ على الأرض، بقسوة، ولكن بثبات، ودائماً في تقدم، حتى نشأت ما يمكن تسميته ” دول الأنقاض”… أوروبا الشرقية من الحدود السوفييتية شرقاً إلى جدار برلين لاحقاً…غرباً.

هذا عن الحرب !

ولكن ثمة الكثير من الدماء والكثير من العذاب البشري. منذ بداية القرن العشرين… وهو (ناظم حكمت) من مواليد 1902 أي فتح عينيه على أول منعطف فيه. ثم فوجيء بأنه يكافأ بالعقوبة في بلده، بعد أن عاش في موسكو خمس سنوات للدراسة. فحكمت عليه المحكمة المخصصة لاكتشاف المؤامرة في الحلم اللغوي… بالسجن 15 سنة، وعندما صرخ بالقاضي بأن الجيش والشرطة والقضاء يخافون الشعر زيدت المدة إلى عشرين عاماً.
وبين الحلم الذهبي بعالم أفضل مصاغاً بالشعر، والعالم الحقيقي لما بعد العثمانية التركية يإقطاعها المخلوط ببورجوازية أتاتورك… دخل حكمت السجن لمدة 12 سنة وهو غير مصدق…( ورسائله تدل على ذلك) خرج بسبب الضجة العالمية والمظاهرات… تضامناً معه واحتجاجاً على سجنه.

منذ خروجه ورحيله إلى المنفى مرة أخرى وهو أيضاً غير مصدق:

أجمل البحار: تلك التي لم نزرها بعد.
و أجمل الأطفال: أولئك الذين لم يولدوا بعد.
أجمل أيامنا: تلك التي لم نعشها بعد.
و أجمل الكلمات: تلك التي لم أقلها لك… بعد !
وحتى آخر أيامه كان يقول:
” لو وضعوا الشاعر في الجنة لصاح:
آه…يا وطني!”
يستحق القرن العشرون الشتيمة لا المديح إذا ما قيست الوقائع بالمتوقع… والحقيقة بالحلم… ولكن يستحق الزمن، بما هو أداة عبثية لقياس مرور الأحداث والأشياء والأشخاص… يستحق منا الالتفات إليه بذلك التبجيل الذي تستحقه اللحظات في ركام الأيام، والساعات في أنقاض الشهور، والأيام في مدافن السنوات.
لا يمكن لكل شاعر أن يكون صاحب معجزات.
ولا يمكن لكل ناثر أن يكون صاحب نبوءات.
ولا يمكن لكل ناطق باسم الحياة أن يكون صاحب… إعلانات.
ولكن… هؤلاء جميعاً… مطالبون بأن لا يجعلوا من أي ثوب ممزق ثوباً لأرامل الحياة!
أظن أن الشاعر مكوّن من هذا العناد الجمالي…
كي لا يكون هناك من له عذر في دفن الحلم حيّاً….. بالخطأ !

15.03.2014

بوابة الشرق الاوسط_الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى