كتاب الموقعنوافذ

المرابي

في زمن المرابي…. تحتاج إلى نبي!

كنت أفكر بالبديل البسيط عن آلة انتاج الكلام الكبير، والشعارات الكبرى، وخاصة في السياسة. وكنت دائماً من الذين  يحترمون الكلمات غير اليقينية، مثل “ربما”…  لدرجة أنني أصدرت ديوان شعر بعنوان ” انتبه إلى ربما” ولأن هذه الكلمة الفقيرة عزلاء، ولا يستخدمها اليقين العربي، فقد كتب أحدهم كلمة ربما، على أنها “ريما” أي الآنسة… ريما !
وفي الأزمة السورية، قبل أن تتعقد وتصبح كونية، كانت لدي دائماً هواجس الإبداع في إيجاد حلول غير عادية، وصفتها الرئيسية: “النزاهة والخيال”. ويمكن قول الكثير حول هاتين الكلمتين… (الخياليتين) فالنزاهة عند السياسي غش بالكيلو، والخيال…احتيال!
النزاهة لا تقتصر على درجة واحدة في سلم أخلاقي، بل هي ألا تغش أحداً، أو تغير من لون الحقيقة، أو تعد بما لا قدرة لك على تنفيذه… بل هي ألا تغش نفسك!
هنا يأتي دور الخيال… التصور بناء على الوقائع. التحليل وفقاً للمعطيات، الحلول على ضوء الحق والعدل والمصالح العليا. البناء على المدى البعيد والمستقبل البعيد!
……………..
وفيما كنت ـ في أزمتنا السوريةـ  أقلب الأفكار… عثرت على نظرية لكاتب اسمه “ادوارد  دي بونو”. تقوم النظرية على أساس كسر التفكير المنطقي ـ العمودي. وذلك بواسطة ما سماه الكاتب : “التفكير الجانبي” ـ الأفقي.
يبدأ من المثال في القصة التالية:
استدان تاجر في لندن مبلغاً ضخماً من أحد المرابين. وكان لذلك التاجر ابنة  حسناء، سال لعاب المرابي عليها. اقترح المرابي على التاجر أن يعفيه من ديونه مقابل تزويجه ابنته. فهلع التاجر وابنته، وراحا يماطلان ويسوفان، فتظاهر المرابي أنه سيجعل حسم الأمر بيد العناية الإلهية، واقترح أن يضع حصاة سوداء وأخرى بيضاء في كيس، ثم تسحب الفتاة واحدة، فإن سحبت السوداء تتزوجه ويعفى أبوها من الدين. وإن سحبت البيضاء تعفى من زواجها منه وأبوها، أيضاً، من الدين.
قبل التاجر مكرهاً هذا العرض. انحنى المرابي  ليلتقط حصاتين من أرض الحديقة المليئة بالحصى، فلاحظت أنه التقط اثنتين سوداوين. مصير الفتاة مقرر ـ إذن ـ سلفاً . فما (نوع) التفكير الذي على الفتاة أن تستخدمه ، في مثل هذه المشكلة المحسومة الخيارات؟ التفكير العمودي: هناك مأزق لا خلاص منه. أن تستسلم لواقع أن الحصاتين سوداوان، ولا بد من السحب.
أما التفكير الجانبي الخلاّق فيذهب إلى فكرة إبقاء حصاة سوداء واحدة في الكيس وتغييب الأخرى. وهكذا… سحبت الفتاة حصاة، وتظاهرت بالارتباك فسقطت الحصاة (السوداء طبعاً) على الأرض واختلطت بالحصى.
قالت: “أنا حمقاء… لقد وقعت الحصاة” . لكن هذا لا يهم، فسنعرف من الحصاة المتبقية في الكيس ما هو نصيبي.
ارتبك المرابي لأنه لا يستطيع أن يفضح غشه.
وهكذا نجت الفتاة بلجوئها إلى ما سماه الكاتب: التفكير الجانبي.
………….
يقولون: إن من يغلب الكمبيوتر في الشطرنج هم محتالو الحل الجانبي، لأن برمجة انتصار الكومبيوتر هي إغلاق الاحتمالات، والتفكير يذهب إلى وجود الثغرة المحتملة في البرمجة.
ولكن للأسف، بعض الأزمات في حاجة إلى  أكثر من فتاة ذكية كإبنة التاجر.
تحتاج إلى عبقرية الضمير، وإلى قادة مصائر، وإلى حرب أقل ضراوة، وأهدافها أقل من تدمير بلاد جميلة، عزيزة، تاريخية… كسورية!

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى