كتاب الموقعنوافذ

انتقام الأفكار

ـ انتقام الأفكار … الطفل هو من يظن أنه يهزم الحائط… بضربة كرة القدم ـ
…………………………………………
قد تلخص هذه الجملة ، بقليل من التعسف، الوضع المصري :

” تاتي كوارث التاريخ نتيجة لانتقام الأفكار التي خانها أصحابها!”
” معظم الأفكار يخونها أصحابها، حتى في الشكل. إنهم يبدون كالمراهقين (نضارة) عندما يكونون في سلالم صفوف الحلم، ويصبحون كمروجي المخدرات (مهارة) عندما يصبحون في أعلى سلالم الواقع!
الإخوان المسلمون في مصر، ناضلوا ثمانين عاماً في حلم السلطة التي تختلف عن النفوذ المعنوي، فالسلطة مؤسسات، وإجراءات، وعلاقات بشر مزدحمون حول مصالحهم. أما النفوذ المعنوي فهو، إلى حد بعيد، إتكاء على النص، والمرجعية والمقدس، واعتماد حصري على الله أولاً وأخيراً، دون مصداقية النزاهة .
الاخوان في مصر…  عندما وصلوا إلى السلطة بدأوا فوراً بخلط الإرشاد الديني بالقومي، والسياسي بالإلهي، والذقون بالعقول… والخطاب الشفوي حلّ مكان البرنامج التوافقي. والذاكرة الخاصة بالذاكرة الجمعية.
ولم يكن في الأفق، سوى الوعود بإخراج كل الدين إلى كل الشوارع، ناسين أن الإسلام موجود قي صدور الجميع، والإرشاد الإسلامي موجود في صدور الكتب. وصدارة الجوامع. ولكنه غريب عن ثقافة المجال العام واليومي !
عندما وصلوا إلى السلطة عرفوا أن الدعم الشعبي، وصندوق الانتخابات غير كافيين للسلطة وحاجاتها، وغير مرضيين لمطالب الخبز والسكن وأهوال الفقر… فخمس ملايين من سكان المقابر لديهم حلم غير الذهاب إلى الجنة !
عندما وصلوا عرفوا، أيضاً، أن إسرائيل وأمريكا هما من يقرر المساعدة والمساندة:
مليارات سنوية للجيش (العاقل). وسفن على مدّ النظر في البحر… لنقل القمح إلى الأفران المصربة. وهناك اصطفافات لازمة ناتجة عن ذلك (قطر . سعودية. خليج ) ولذلك كان أمير قطر زعيماً معنوياً لفوز الإخوان في مصر، ولذلك كان شمعون بيريز: عزيزي وصديقي العظيم، في رسالة أولى من رئيس مصر إلى إسرائيل . رمزاً  للتملق السياسي !
أين تذهب الذاكرة عندما يأتي خالد الإسلامبولي إلى مرسي ويقول له: ماذا فعلت؟ إن صلح السادات مع إسرائيل محرم شرعاً…
إن فلسطين أيضاً من بين مفردات الأفكار في الجغرافيا السياسية. وحتى يصل عدد الأنفاق المحفورة بين مصر وغزة إلى أربعمائة نفق… فلا بد أن يكون مبارك أكثر سماحة في غض النظر عن حفرها من سواه، مع التكاذب الضار والراهن بين حماس والإخوان !
هذا انتقام الأفكار…الأول !
والانتقام الثاني هو… عندما تعتبر حركة الإخوان الإسلام شأناً حصرياً بهم. فإنهم يتحولون إلى جماعة، وفي لغة أخرى
“عصابة” أو “عشيرة” وعندما يصلون إلى الحكم يبدأون بما هو منطقي، تقريب الأقرباء، وتبعيد الأعداء…
والانتقام الثالث للأفكار هو… حس العدالة المعلن فقدانه من اللحظة الأولى، حيث سيتبين بصورة أوضح، هجوم الجماعة على مستقبل مصر، ومصادرته في اقتصاده وأخلاقه، ونموّه، ومناطق ديناميته الحيوية!
خلال عام، يمكن فهم صعوبات الانتقال.
ولكن لا يمكن فهم حجم التدهور في قطاعات هي تعيش عادة بعطالتها. (لماذا البنزين والغاز والرغيف؟) لماذا الخطاب الشعبوي اليومي؟
وهنا يمكن التذكير بعبارة للصحفي جلال عامر: (نحن بحاجة إلى “مخلص” وليس إلى ” مخ ـ لص”)
لقد ظن الإخوان المسلمون كما غيرهم أيضاً، أن الشرعية هي صندوق انتخابات. وحتى لوكانت النتيجة نصف زائد واحد. وفي بلادنا الخالية من ثقافة الديمقراطيات والتوافقات… لا يمكن إقامة سلطة على هذا الأساس. فكيف إذا كانت العملية هي سطو، في غفلة علنية، على ثورة ميدان التحرير، حيث كان الإخوان أقلية في الفاعلية…. وهي أيضاً ناتج نعاس المجلس العسكري ، ونقص انتباهه إلى ضرورة توفير الوقت الانتقالي اللازم لميدان الصناديق.
اليوم…
بأدوات العنف المضمر (الجيش)، ستجري عملية تصحيح أدوات العنف العلني (الإخوان). وهي عملية ليست سهلة ، وإذا لم يكتب لها كل مقومات النجاح… سيكون فيها كل مواصفات الكارثة.
وأعتقد أن لا أحد يعرف ، حتى الآن، إن كانت مصر واقعة تماماً في منتصف خطة “ الفوضى الخلاقة” سيئة الذكر؟
إذا كشّر الإخوان عن الأنياب المسلحة… نبدأ نعرف!
وهنا تنتقم الأفكار من حامليها أيضاً !
والانتقام هنا بلا حدود أبداً !

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى