بغداد… ها هي دمشق !
بغداد ها هي دمشق !
مقدمة: هذه المقالة نشرت يوم سقوط بغداد في التاسع من حزيران / أبريل 2003 .
أرجو أن يكون لإعادة نشرها مبرر أن دمشق كأختها بغداد مهددة بالحرب.
………………………………………………………………..
ـ الجندي المجهول.. له أهل معروفون! ـ
“سيكون العراق نموذخ إلهام لمحيطه” هذا ما قاله وولفويتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي. وهو صحيح تماماً حيت رأينا القصف والتدمير والقتل، الذي سينتهي إلى حكم عسكري أمريكي، ومعه بضعة مترجمين من المعارضة العميلة، بصفة وزراء أو حكام مناطق. وقد رأينا “الجلبي” كيف ألبسوه قبعتهم وتي شيرت مثلهم وهو يتمتختر في الخراب…هذا هو الإلهام.”
صحيح أيضاً أن الإفلاس الاقتصادي الأمريكي سيعوضه العراق من نفطه، بعد أن دفع من دمه، وجراح كرامته، ومحنة العرض الحقير بالاستسلام تحت القصف والانبطاح على الأرض مدعوساً بأبواط الغزاة.
هذا إلهام!
وصحيح أن رسالة أمريكا قد وصلت إلى كل الحكام والبلدان والسياسات. رسالة القوة، التي لن تكفّ عن تعميم مشهد العراق على من يريد أن يقول، ذات يوم، أي نوع من أنواع (اللاءات) لأمريكا…
هذا إلهام أيضاً !
وصحيح أن العراق الذبيح لم يُنجده أحد. بل تعاون أشقاؤه عليه في الجغرافيا، من قناة السويس إلى الخليج الفارسي ( وأقصد الكلمة). وتعاونوا عليه بالسلاح والمطارات والتجسس… وذهبوا أبعد من ذلك، بأن أصبح الكويتي وسواه يشمت بكل دم يجري وبكل شارع يتحطم وبناية تتزلزل…
إلهام أيضاً !!
وأيضاً… صحيح أن المقاومة في العراق لن يتركها الأمريكيون وراء جريمتهم نموذجاً للشعوب ومنارة للإرادات، وإيضاحاً مفاجئاً لقدرة الإنسان على التحمّل، والتضحية والنجاح بوسائل بسيطة. هذا ما يؤكده القصف الذي لم يحدث في الحروب سابقاً . وسوف نرى، في الأيام القادمة، لجوء الأمريكيين إلى خطة الأرض المحروقة حتى يدخلوا التاريخ مشياً على جثث في الحريق…
إلهام آخر !!
الصحيح أيضاً… أن مفهوم العروبة تغيّر، وفكرة الإخاء، والدم والثقافة والأهداف المشتركة، والتضامن… وصولاً إلى تحسس أصولي أخلاقي بمسألة الأرض والعرض والشرف، كله تغيّر. وهو نموذج ملهم في الحقيقة، لأنه يجعل الكفّ عن هذه المفاهيم واقعية مرة لابد من إدراكها… وسيكون بوسع الجميع التحلل من أي التزام تجاه أي فكرة تخص الوحدة والقوة والمبدأ… فلقد دخلنا إلى قطاعات الذئاب، وإلى تجزئة المراعي للسوائم العربية، إلى عصرالقتال على الأعشاب والروث، عصر سخرية من نوع التندّر على الشهادة ، واستضراط النصر، وتعميم الفكاهة على هويات الشعوب.
إن إرادة الشعوب وتنظيم البلدان، وتوزيع الثروات أصبح، منذ هذا الذئب البشري المبشّر بالإلهام … أصبح يتم على يد وزارات الدفاع وقادة الميدان. فأعيدت العملية الساخرة المكروهة إلى أولها في الجحيم: تُحرّرشعباً من سلطة وزارات الدفاع المحلية، إلى سلطة وزارات الدفاع الأجنبية في عملية انقلاب دموي على شكل حرب… تجعل المحرَّر “ميتاً” قبل أن يفتح عينيه وينجلي الغبار… إنه تحرير الخراب!! لقد جرى سابقاً تحرير الأرض الأمريكية سابقاً من سكانها. فالأرض لا ترثي أحداً بفم وعينين جاحظتين. قُضي على الهندي الأحمر لأنه بقي سنوات حنى أدرك المعنى من الهجوم عليه
…….
تلك الكراهية السوداء للعربي الحقير المتعاون مع أجنبي وغزاة.
وللحكام الذين يسرقون بلدانهم ويضعفونها ويدمرون مناعتها حتى يصبح التسول مهة أنظمة، والخضوع للأجنبي تحصيل حاصل.. ويصبح الإسرائيلي “أخاً” بدلاً من “العراقي”.
العنصرية الذهبية…التي تكره الكروش والعروش والجيوش!
العنصرية الذهبية التي تجعل من كلمة “أخي العربي في كل مكان” غشاً تافهاً وثقافة ضعفاء.
العنصرية الذهبية التي تؤرخ لاحتقار تاريخي طويل منذ “سقوط بغداد”:
احتقار الجغرافيا والتاريخ والثقافة والطعام الشعبي والعرس التقليدي والمأتم الجليل. ذلك أن أمريكا لم تترك لشيء من كل هذا أثراً.
“سقوط بغداد” سيحزن الكثيرين، ولكنه لن يدخل إلى الدماغ العربي قريباً بوصفه: زلزالاً حضارياً!!
09.09.2013