كتاب الموقعنوافذ

بين الجريمة والفتك

بين الجريمة والفتك

ـ اعطني سيفاً أجد لك قتيلاً ـ

“شجرة الصندل تعطّر الفأس وهي تقطعها” .
وقد تجد في عالمنا هذا، في الأمكنة التي يحاول فيها الإنسان الاعتذار من الطبيعة لأنه فتك بها، قد تجد أدياناً بسيطة تقول لك:
” كشجرة الصندل…”
فكّر، ذات يوم، رجل بتطبيق النصيحة.  فوجد أن أشجار الصندل لم تعد متوافرة في الغابة، وأن النساء اللواتي يتعطرن ببخورها، قد ذهبن إلى محل عطورات رخيصة… لإزالة رائحة الحياة البرية من أجسادهن.
بالطبع، الحديث عن الصندل، وهو غير موجود في بيئتنا هنا شرق المتوسط…كأنه حديث عن محاولة” التبشير بيهودي ليغدو مسيحياً” ! ذلك لأنه حديث عن فلسفة  وروح. وفقدان الأرواح، اواضمحلال عمقها، ظاهرة عصرنا. أما الفلسفة فلها من يرجمها دائماً بحجر، لأنها جوهر المعرفة!
من وجهة نظر بوذية:
” في عالمنا… دائماً كانت هناك أخطاء… ولكن في عالمنا الراهن ثمة جرائم”. ولإزالة الشر… كان أبطال الروايات الكبرى، كما لدى دستويفسكي، لا يقبلون بترميم سطحي لحادث شرير… بقتل مجرم مثلاً، بل كانوا  لا يقبلون، أبداً، بأقل من إزالة الشر المطلق.. روح الشر إذا شئت. وهذا التطرف يعني ضرورة استمرار الكفاح الإنساني، بمنسوبه الأعلى، ليس لإزالة الشر بوصفه حادثاً إنسانياً،وإنما لإعاقة الشر عن النمو، بتجفيف مصادر ثروته !
وفي تحليل ” الهوس” بالقتل ـ مثلاًـ يفسر ” المركيز دو ساد”  آليات  “الفتك” المتلذذ بالضحايا،  بأن الفتك بالبشر يمتد في العمق النفسي إلى أبعد نقطة:  فيغدو فتكاً بهم ( البشر) مرة ثانية على اعتبارهم، يعودون، بعد الموت، إلى الأرض، ومن كيميائهم وتحلل أجسادهم، تتغذى الأشجار، والزهور، وهكذا… يفتك القتلة المهووسون بالطبيعة. إنه بمعنى وجيز” توسيع دائرة السخط”على الموجودات.
وبمعنى أكثر تطرفاً نجد أن “المدنية الحديثة” لم تكن أقل بدائية من هذا الذي نتحدث عنه… ” قتل شجرة” بوصفها جزءاً من روح قديمة اندفنت مقتولة أيضاً، تحت التراب، منذ أمد بعيد، ولم يكن الجنود بعشرات الملايين، في حروب القرن العشرين، سوى رموز لهذا ” السخط الفادح”، القابل للاستمرار وللتكرار.
إن احتقار الضحية هو الجزء الثقافي العائم من عقل جلادها. وتخصيص هذا الاحتقار “ضرورة مهنية”  للجلاد. أما تعميمها، فهو تخصص أبدي في جوهر الشرور.
هكذا استطاع شعب اسرائيل (مثلاً) استمرار النمو، بالتغذية من العظام، ومن الزيتونة المقطوعة، والبرتقالة المذبوحة، ليظل محافظاً على” أغلبية الكراهية ” لشعب آخر يموت، بتسلسل وراثي، لتغذية حديقة الغرباء وحياتهم!
في هذه الحالة تلزمنا ثقافة من نوع آخر… هي ثقافة مقاومة الشر، بالمعنى الحصري، أي الأذى الذي يقع من قبل أي أحد على أي أحد. وعلى أي شيء ـ إذا شئتم ـ.
الذي نستغربه ، هو أن تكون وحشية الطبيعة ومفردات نزواتها المدمرة ، هي أشبه باللمس الناعم على خد…إذا ما قورنت بوحشية الدول . ذلك لأن الدول تستطيع ـ بصور علمية ومنهجية ـ تحويل الإنسان من قاتل مأجور ومجاني وبثمن رخيص . إلى وريث، متنامي الخطورة، على البشر.
لذلك……
” كن كشجرة الصندل… تعطّر الفأس وهي تقطعها ”
هذه تميمة ذات أثر بعيد ، ولكن ليس في عالمنا العربي،هذه الأيام، هذه الأيام على الأقل !

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى