كتاب الموقعنوافذ

تذكارات

تذكارات … أكبر المعارك نخوضها ، ليس بالأسلحه ، بل ببسالة الضمير.

-1-

في رواية “الأخوة الأعداء” للكاتب اليوناني العظيم كازنتزاكيس، يصل الكاهن  “ياناروس” إلى حافة اليأس من إمكانية حقن الدماء في الحرب الدائره بين الكريتيين (جزيرة كريت مسقط رأس الكاتب) والأتراك !
لم يستطع الكاهن ياناروس تحمل مشهد الدم اليومي والجثث في الطرقات، ولم يستطع حماية أحد من رعاياه المذعورين المشردين. فذهب، وهو يزمجر من الغضب والحزن، إلى الكنيسة ، ووقف أمام تمثال المسيح المصلوب، وخاطبه قائلاً:
انزل عن صليبك الآن. انزل إلى كل مكان، ودافع عن رعاياك وأوقف النزيف من جراح جميع البشر !
تصاعد الصوت وتطورت الكلمات الغاضبة حتى صارت كفراً وهزءاً بالشكل الدرامي، البائس والنمطي، لنبي مصلوب منذ حوالي ألفي عام!
المسيح ظل صامتاً.
لكن  ياناروس  رأى علامات حزن على وجه المسيح. وبدا للكاهن أنه يحاول تحرير يديه وقدميه من المسامير … وفي لحظة الذهول المندمجة مع عدم التصديق… رأى ياناروس دماً حقيقياً يسيل من القدمين المقدستين على الصليب وينقط على البلاط بإيقاع متزايد!
يخرج الكاهن من الكنيسة وهو يصرخ بالمتقاتلين :
توقفوا… توقفوا .
إلا أن رصاصة اخترقت قلب ياناروس وتجمدت في فمه صرخة…. توقفوا!

ـ 2 ـ

نهاية القر ن الثامن عشر، اجتمع الكونغرس الأمريكي، ليعترف بانه جرت “تجاوزات” في العمليات الحربية ضد الهنود الحمر. والتجاوزات هذه بلغة الأرقام تعني مصادرة 99 بالمئة من أراضي الهنود، عبر مجازر جماعية راح ضحيتها عشرون مليوناً منهم، كما أن واشنطن، نفسها، بنيت على أنقاض قرية هندية!
قرر الكونغرس إعادة بعض الأراضي للهنود… ولكن واجه ” مشكلة صغيرة جداً “، وهي أنه لم يكن هناك من يستلمها…
لقد أفني أصحابها!!

ـ 3 ـ

أتطلع حولي. كل إنسان يبكي.
أتطلع مرة أخرى ولا أرى شيئاً.
عيناي غائمتان بالدموع مثل البقية.
لقد مارس البشر الظلم بما فيه الكفاية، ولن أتسامح معه، بعد الآن، يجب أن نقدم الهواء النظيف، والألعاب، والتعليم لأطفال الأرض جميعاً. والحرية، والحب للنساء. والود، واللطف للرجال.
و…. حبة من القمح لهذه الفرس المنهكة التي تهزّ ذيلها :” قلب الإنسان”!!
( كازانتزاكيس)، نيابة عنا، ونحن نتفرج على بلدنا وهو يتحطم وتغيم عيناه بملء الدموع).

ـ 4 ـ

كان والي حمص يغيب يومين كل شهر… يختفي عن الأنظار. وعندما سألوا عنه، ذات غياب، عرفوا الأسباب: كان يغسل ثوبه الوحيد ويتنظر ليجفّ، ليلبسه ويذهب إلى دار الولاية، يقضي ويحكم بين الناس!
في موسم الحج، عندما ذهب وفد حمصي إلى عمر بن الخطاب، حاملاً مطالب المدينة، كان لديهم لائحة بأسماء الفقراء المحتاجين للمساعده. والمفاجأة أن من بين الأسماء كان الوالي: ” سعيد بن عامر” !
(تذكروا هذا الاسم ، وانسوا المحافظين. السابقين واللاحقين)

ـ  5 ـ

كلما رأيت مسؤولاً سابقاً، أصبح معارضاً لاحقاً. يخطر لي أنه لن يعترف بآثامه وأخطائه وخطاياه… بل وجرائمه، إلا بالطريقة نفسها التي كانوا يستعملونها، هم، لانتزاع الاعترافات من الضحايا……. التعذيب !

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى