كتاب الموقعنوافذ

حطام الشعراء

ـ حطام الشعراء  …. الشاعر هو “كاذب” يقول الحقيقة…دائماً!ـ

كما شمتت حماس بموت محمود درويش، وكما كبّر الإرهاب الثقافي لتدمير أبو العلاء المعري في الحجر، وبال على الجميع في الذاكرة… وكما تماثيل بوذا في أفغانستان دمروها بالديناميت… الدور على سيد قمح الكلام في حوران… الشاعر أبو تمّام.
هذه ثقافة القسم العائم من جبل الجليد… ففي القاع يوجد المنع الكامل لكل ثقافة سوى أربعة كتب : القرآن، والسنة، و تفسير القرآن والسنة.
فإذا كان أبو تمام مستهدفاً، فيجب أن نعرف، ببيان مقتضب، لماذا؟ كي لا يتركونا للتخمين آنف الذكر. هكذا انتصارات يجب شرحها !
ولكن يمكن الوثوق بأن من دمّر تمثاله…لا يعرف من هو”أبو تمام”؟ ولا من أمر به يعرف من هو؟
فقط : شاعر!
هذا يكفي !
لأن الإسلام حرّم شيئاً اسمه الشعر كله، كي لا يكون أداة هجاء وتعبئة .
ومنع وصول النثر كله ( في الجاهلية) كي لا تجري مقارنة نص “دنيوي” سابق بنص “ديني” لاحق . ونكتشف ما لا يريدون أن نكتشف !
ولكن الاستثناءات حدثت، حتى من طرف الرسول نفسه فبعد تحريمه الشعر (الشعراء يتبعهم الغاوون) غضّ النظر عن هجائيات حسان بن ثابت لقريش، ورحب بالسمع والنظر بقصائد مديح الرسالة ومديحه :
فمثلك لم تر، قط، عيني                 وأحسن منك لم تلد النساء
خُلقت مبرّأ من كل عيب                 كأنك قد خُلقت كما تشاء

وثمة عذر، برأيي، لكل أصجاب الرسالات أن يكونوا براغماتيين في مسائل تتعلق بنجاح الدعوة أو المشروع السياسي. ولكن لا عذر لثقافة أمة كاملة، أهم ما لديها، في حقل الإبداع الإنساني… الشعر.
لا عذر لها أن تدمر ما لدينا منه، مبقية على الميلويات في المناسبات الدينية !
وإذا كان أبو تمام مهاجر الروح والقلب والمكان… فإنه أصبح الآن بتمام غربته عن مكانه .
فهو مات في الغربة (الموصل) ومات صغير السن (40 سنة) ولكنه هو من قال، حنيناً إلى جاسم (بلدته في حوران، وموقع تمثاله الذي فجروه هذا الأسبوع)
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى       ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى        وحنينه أبداً لأول منزل

مرة قال عنه الخليفة المعتصم بعد الاستماع إلى قصيدة :
” هذا الرجل… فِكره يأكل جسمَه، كما يأكل السيف المهنّد غِمدَه .
هذا الرجل لن يعيش طويلاً”.
وهناك الناقد الموصللي ، قال لأبي تمام لائماً، لأنه لا يسلك مسلك الشعراء قبله :
” يا فتى ما أشدَّ ما تتكىء على نفسك؟!”
أنت تقول :
لا تسقني ماء الملام فإنني          صبٌ قد استعذبت ماء بكائي

فهلاّ أعطيتني قطرة من ماء الملام؟
فردّ أبو تمام: حتى تعطيني ريشة من جناح الذل. ( إشارة إلى الآية: “واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربّياني صغيرا”)
وقال له ناقد آخر : لماذا لا تقول ما يُفهم ؟
فرد عليه : ولماذا لا تفهم ما يقال؟
……………….
إن حوران مشهورة بإنتاج القمح والزيتون والعنب ، وهو شان جغرافي وفلاحي، وطريقة عيش من أيام الرومان. ولكنها لم تستطع ـ كما أعلم ـ إنتاج الشعراء كالبندورة. وليس هناك كل يوم أبو تمام ، ولا كل يوم معركة يرموك! حتى ولا كل يوم فهد بلاّن !
” على أيام” أبو تمام لا يوجد ديناميت . وهو نائم الآن ، في مكان ما من العراق، في المدافن المنقرضة لمدينة الموصل . ولو رأى ما حلّ بتمثاله لاستغرب. إلا أنه حسناً رأى، وحسناً قال ، وبصورة مسبقة :
لا يدهمنّك من دهمائهم عددٌ        فكلهم ، أو جلّهم بقر
…………………..
المعلومة التي من المهم أن نتذكرها ، ( ربما ليتذرع بها مهندسو الديناميت الإسلامي) أن أبا تمام كان حائكاً ، في دمشق، وأبوه كان خماراً ( ربما في باب توما. واسمه “ثادوس”) تحول إلى ” أوس” بعد إسلامه أو بعد إسلام أبو تمام، فصار حبيب بن أوس الطائي !
إن ما يحدث في سورية غريب، في كل شيء، في كل مكان، في كل شخص. وربما سوف نحتاج جميعاً إلى “ترميم” خراب النفوس وخراب الأفكار، قبل ترميم خراب البيوت والمدن والرموز والتماثيل!
وحتى يتم ذلك…
إليكم الشاعر دويد بن زيد الحميري، الذي كتب قصيدة قال فيها قبيل موته :
” اليوم يُبنى لدويدٍ بيته.”
وقال لأبنائه وهو يحتضر : ” أوصيكم
بالناس…
شــرّاً !”

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى