خوف الشاعر
خوف الشاعر
*الشعر… دين بلا أمل*
“ترجمان الاشواق”… ديوان غزل صريح للشيخ محي الدين بن عربي(1204) وهذا الديوان قصائد حب وعشق لامرأة من لحم ودم.
ويقال أن كتابه المهم “الفتوحات المكيه” لم يكن ليوجد، في تلك الفترة من حياته، لولا النعيم الذي تخلقه تلك العاطفة العظمى الحب، وبالتأكيد تلك المرأة من لحم ودم !
ومثل غيري من الأسوياء، أعتقد أن الحب الحقيقي ، العميق والسعيد هو اختصاص مابعد الغريزه. اختصاص أذكياء ومسالمين وناضجين جسداً وعقلاً:
لاتطلبن محبة من جاهل
المرء ليس يحب حتى يفهما! ” إيليا أبوماضي”
ولذلك لا أستبعد أن يكون “ترجمان الاشواق” نصاً صريحاً لترجمة الأشواق الأرضيه الآدميه الحقيقيه، ليس بحثاً عن أنثى افتراضية، ولاعن رموز إلهية، بل وجود فيها ومعها وبها و…
إلا أن التعصب والفقه الذي يفسر الهوى كالأهواء… أقام الدنيا ولم يقعدها على رأس ابن عربي، فاضطر الرجل الى تأليف كتاب سماه: “ذخائر الأعلاق في شرح ترجمان الاشواق” (1214)
وبهذا الكتاب وشروحاته انقلب الديوان الغزلي إلى قصائد ورموز صوفيه تدل على صلة الروح البشري بعالم الغيب. وأصبح شعر الغزل، هذا، من بين أدوات التعبد لدى المشايخ نفسهم راجمي حجارة النقد والاتهامات !
…………….
الأمر نفسه حدث مع الشاعر العظيم عمر الخيام، عندما كتب رباعياته المليئة بالخمر والسعادات الدنيويه والاسئلة القلقه عن الولادة والموت … عن الشك واليقين .
الخيّام كتب الرباعيات لتهدئة عبء الاسئلة والانتشار الوجداني في المعرفة والجمال. وربما كتبها وفي ذهنه أصحابه، شركاء القلق والمتعة، يقرأها لهم في أمسيات الأنس… ولم يفكر يوماً بأن تغدو كتاباً.. وفوق ذلك، ضاعت الرباعيات كلها واختفت عندما تعرضت نيسابور، موطن الخيام ، للغزو والسببي والحريق… ولم تجمّع الرباعيات، أوبعضها، إلا بعد 350 سنه من وفاته !
كان العصر السلجوقي المضطرب يعج بكل أنواع البشر الباحثين عن الفرص للعيش، وبكل أنواع الخائفين من الحياة…ولذلك انتشرت منافقة السلاطين ، كل أنواع السلاطين . ولم ينج ضمير فقهاء ذلك العصر من نقص فادح في ورع ونزاهة الفتاوى … فتعرضوا للخيام واتهموا أشعاره بالفساد والإفساد، وحرضوا على قتله، فاضطر الى الاختباء والعزلة متابعاً، وعلى نحو أشد مرارة، حيرته الوجودية وقلقه.. بصمت كثير ورباعيات مريره!
ثمة فقره في كتاب ” القفطي”، (تاريخ الحكماء) تلفت النظر إلى مأساة الافتراء على الشعراء، يصف فيها عمر الخيام:
“عمر الخيام، أمام خراسان، وعلامة الزمان، يعلم علم اليونان، ويحث على طلب الواحد الديان، بتطهير الحركات البدنيه، لتنزيه النفس الانسانيه، ويحث ويأمر بالتزام السياسة المدنيه حسب القواعد اليونانيه.
ولما قدح أهل زمانه في دينه، وأظهروا ما أسر من مكنونه، خشي على دمه، وأمسك من عنان لسانه وقلمه، وحج متاقاة … لاتقية.
الخ …….”
الآن….
لو أراد أحد تلحين مختارات من الرباعيات، كما فعل السنباطي، لقامت القيامه على الاثنين … في ظل المشيخه الاسلاميه الحديثة الهاجمه على كل شيء … تحت الرايات الملتبسة لحراسة… الفضيله !