سامحتك … مقابل اعتذار !
مانديلا… نموذجاً كونياً
لا شيء يضاهي العودة إلى مكان لم يتغير أبداً كي تكتشف الزوايا التي تغيرت في نفسك .
سامحتك (مانديلا)
سامحتك … مقابل اعتذار
كانت السكاكين أشد لمعاناً من الأسنان شديدة البياض في وجوه شديدة السواد… عندما قال لهم نيلسون مانديلا :
“ارموا السكاكين في البحر… حتى سكاكين المطبخ ارموها في البحر”.
وعندما صرخت حناجر المقهورين ضحايا العذاب العنصري… رافضة السلام مع الجلادين العنصريين البيض… صرخ مانديلا:
” ألست قائدكم ؟
أنا آمركم برمي الأسلحة…
حتى سكاكين المطبخ، في البحر.”
والملايين انقسمت ، لبعض الوقت الانفعالي، إلى من يبكي غيظاً، لأنه تذكر أقرباءه الذين قتلوا في السجون والميادين. وإلى من يبكي فرحاً، لأن الحرية اقتربت إلى هذا الحد من أسطحة الصفيح الساخن. وإلى من هتف : أمرك ياسيدي. الذي يقول:
” التسامح في الحق لا يستلزم نسيان الماضي.”
وثمة من قال له بصوت عال :
“وماذا نفعل بذاكرتنا ؟” وكان جواب مانديلا:
” إننا نقوم بقتل أنفسنا عندما تضيق خياراتنا في الحياة “.
” الحرية لا تعطى على جرعات… إما أن يكون المرء حراً أو لا ”
……………
كان على مانديلا، وهو يفاوض البيض القساة، أن يجد حلاً لأصعب المعادلات: القبول بوضع الضحية والجلاّد على نفس المسافة من الحق والواجب، في فترة الانتقال من حكم الأقلية العنصرية (البيض) إلى الأغلبية المكافحة (السود)، ويكون الانتقال دون دماء، ودون تمييز معاكس، ودون نزوح الألوان في الأحياء بلغة الثأر، والاستيلاء، وجشع تبادل الأدوار… ومغانم الانتقام في نصر صريح !
وبالإضافة إلى لقاء الضحية والجلاد… هناك اتفاق على منع المحاكمات بموجب كل السجلات الفظيعة لانتهاكات حقوق الإنسان. تلك الانتهاكات المسببة لأنواع غريبة من الآلام البشرية: الفقدان بالعاهات في السجون ، الذاكرة المعذبة بالتنكيل الفظ، ثقافي المنشأ، حيث الزنوج ليسوا بشراً مثل البيض.
مانديلا بصياغة عبقرية قال لشعبه:
“مصارحة ، مسامحة ، مصالحة.”
دون ذلك… لا يمكن إقامة الدولة الديمقراطية ، ذات القانون وذات التوجه إلى مستقبل حاسم… إلغاء العنصرية، بشرعنة الأغلبية مع المساواة ولأن البيض أقلية خاسرة في لحظة الديمقراطية الأولى… لحظة الصندوق ، فقد استمروا في تأجيج الدماء. ومانديلا يردد:
السكاكين إلى البحر.
آمركم…
السكاكين إلى البحر.
عندما أصبح مانديلا رئيساً مر أمامه كل ضباط بريتوريا العنصرية.. ببذلاتهم العسكرية، وهو يبتسم لجلاديه، ومنهم وزير الداخلية، والضباط الذين أسروه وعذّبوه.
مقابل كل هذه المسامحة. كان الشرط أن يعتذر كل من أساء ، وقتل، وعذب ، وشرّد ، ونكّل، وسرق… بعد الاعتراف بكل ذلك… يقول الأسود الضحية للأبيض الجلاّد:
” سامحتك “…. مستخدماً ابتسامة مانديلا المعدية التي كانت ، طوال الوقت ، تشبه الامل .
مانديلا مسيح أسود ، لأنه استطاع أن يروّض ما ليس ملموساً لأنه في روح الانسان… ألا وهو القسوة التي صلّبها دهر من الاضطهاد والعبودية. القسوة في كل قلب، وحي، وعائلة ، قسوة لا راد لها، توجتها فترة السلاح كل أنواع السلاح. قسوة الماضي امتداداً إلى اللحظة الراهنة… لحظة خروج السجين بعد 27 سنة من السجن.
ثم…. بيد من حرير، ولسان من حنان بشري ، وقلب من تسامح ، أطعم مانديلا مواطنيه تلك الكلمة الجليلة:
“الحب الوطني مسامحة”
وهكذا… اليوم :
الجنوب أفريقي رجل مؤلف من أغنية حب .
والمرأة مؤلفة من … حرية !
14.12.2013
بوابة الشرق الاوسط الجديدة