مشهدان
مشهدان
مشهد أول:
اقترب الصديقان بعد غياب طويل من بعضهما للعناق والأشواق، لكنهما ظّلا يتأرجحان في اتجاهين متعاكسين.
الأول يهز بجسده نحو الأمام، والثاني يهز بجسده إلى الوراء. وظلا كذلك لدقائق بدت طويلة، ولم يستطيعا العناق فضحكا معاً، من سخرية المرض … ( الباركنسون )!
ومن لم ير مريض باركنسون لا يعرف كيف يصبح الإنسان سخريةً دائمة من نفسه. إنه يدلق القهوة من يده. يرتجف حيث يجب أن يهدأ. تهتز يداه حيث الثبات ضروري، والأسوأ أنه مرض لا يميت. وأنه يجعل من صاحبه سخرية المأساة.
فأحد الكتاب أراد إهدائي آخر إصداراته . قال لي : اكتب أنت الإهداء الذي تريد، لأن يده بدأت ترتجف ولا يمكن إمساك القلم.
قد يكون المشهد الذي حدثتكم عنه، عناق الصديقين الذي لم يحدث، بسبب الاهتزاز المعاكس: ( أمام / خلف ) … هو ما ينطبق على محاولات ” العناق ” بين النظام السوري والمعارضة. مضافاً إلى المشهد تنوع ارتجاف الأطراف، وتعدد مستويات الباركنسون من خفيف إلى الوسط إلى الوزن الثقيل. ويمكننا أن نضيف أن شدة الرجفان مرتبطة في هذه الحال بمنسوب العداوة الدموي، ووجود المتفرجين، غداً، في المؤتمر الدولي المزمع عقده في حزيران القادم!
وإذا كانت الأمراض عائقاً للسلامة، فالعداوات عائقة للسلام. ولذا نرى يوضوح اختلاط الدم بمحاولات إيقافه فكلما كثر الكلام عن اللجان، ثم الوسطاء، ثم الاجتماعات الدولية … وصولاً إلى مؤتمر دولي حول سورية … كلما كثر الدم أيضاً!
هذا يعني تمديد الحرب، وتدعيم المتحاربين، لكي يحقق طرفٌ من الأطراف فوزاً على الأرض فيفاوض بحصص. نعم بحصص، وليس بتغيير جذري لما حدث وللمستقبل. ليس لمصالحة وطنية عظمى بين السوريين.
المؤتمر الدولي ليس بابين في مبنى: يدخل من الأول المتفاوضون ــــ وهم كثر ومتنوعون ومختلفون ـــــ ثم يخرجون من الباب الثاني، وقد تأبط كل منهم ملف الحل للأزمة، وهم موحدون، ومتصالحون .
وإذن … فالحل هو: تأجيل الحل لكي يتمزق السوريون، بلداً، ومجتمعاً. ويصبح للنصر ذلك الاسم القديم المعروف في حروب عدم التكافؤ: ” الإنهاك ” وهو علامة الصفر على أن شيئاً، مما أراده الجميع، لم يتحقق!
مشهد ثاني من مشهدان:
بعد سنتين من الجندية، لم يحصل خلالها، على إجازة، بسبب الحرب في سورية، عاد إلى الأهل، في محافظة أخرى، في إجازة .
قرع باب البيت، فأطلت والدته من الشباك، فرأت شاباً بلباس مموه لحيته تصل إلى صدره، شعره منكوش، نحيل القامة.
قالت الأم : مين أنت؟
أجاب الشاب : بس افتحي وتعرفين مين أنا ! ( وهي جملة تنطوي على تهديد ) ظنت الأم أنه أحد المسلحين. غابت قليلاً ثم عادت، وبصخرة رمتها على رأس الشاب … صار قتيلاً!
هذا هو المرض الثاني: اهتزاز القناعات. سيادة الخوف. موت الفروق بين قاتل وقتيل … وهكذا: لا عناق حتى بين ولد وأم !