كتاب الموقعنوافذ

معاً… كالحمقى !

معاً.كالحمقى !

“تعال ننتحر معاً…شرط أن تقتل نفسك أولاً !  ”
كنت صياداً، والآن بطّلت !
ذات يوم ارتكبت جماقة… واشتريت بندقية صيد اوتوماتيكية، بخمس طلقات من أجل الصيد في سورية، التي يمر في سمائها ألف طائر غريب، وتحت كل طائر مهاجر غريب ساذج… بندقية!
البندقية من هذا النوع تغري بالاستخدام المفرط للذخيرة. حيث يعتمد الصياد على غزارة النار بدلاً من التصويب ، ويجرح بدل أن يقتل ، ويدفع فلوساً ثمن الطلقات، والأربح أن يشتري الطيور من دكان في “باب توما” منتوفة وجاهزة للمقلاة !
لكن الأهم أنني، مع الزملاء الاوتوماتيكيين، أتسبب، في نهاية المطاف، وسنة وراء سنة، بتكوين ذاكرة جماعية عند الطيور، جيلاً وراء جيل، محتويات هذه الذاكرة: أيتها الطيور العابرة، لا تعبري من هنا… فسورية بلد الطلقات الغزيرة، لا بلد غزارة التكاثر للطيور العابرة!
……..
الذي هرّب لي البندقية ضابط، والذي هرّب لي الخرطوش ضابط صف. البائع من شتورة، والبندقية صناعة وادي خالد، ومرفوقة  بشهادة منشأ إيطالية. ولكن الأهم…أيضاً، أنني أستطيع كتابة هذه الأسطر الآن، لأنني نجوت: لقد انفجرت البندقية من أول خرطوشتين. ولم أمت!
” السلاح مادة غش الموت”!
قرار بعض الدول بتسليح المعارضة يشبه هذه المقدمة، والفقرة التالية هي ما كتبته في شهر آذار\ مارس 2012 أي قبل عام بالضبط من اليوم:
“المزيد من السلاح يعني المزيد من القتل، والمزيد من القتل يعني المزيد من الكراهية والثأر… يعني الحرب الأهلية في نهاية المطاف!
فإذا قال النظام أنه يدافع عن نفسه، ستكون المعركة غير متكافئة بينه وبين المسلحين… حديثي العهد بالسلاح وبالذخيرة (من وادي خالد أو شتورة أو تركيا) وإذا تكاثر المسلحون سيتناقص المدنيون، وإذا اشتبك “الجميع” الخائف ، مع “القليل” المخيف، وسيبدأ النزوح، وتنشأ تجمعات السكان حسب فئات الكراهية الطائفية، والانتهاكات اليومية: وهكذا من “حلم” إلى “كابوس”. من انتفاضة شعبية… إلى حرب أهلية!
بعد مرور سنتين على الكارثة في سورية… ما هي الحصيلة والمحصلة؟ كيفما نوقش الموضوع ، من زاوية الثورة أو النظام معاً نجد أن القتل من الطرفين أودى بحياة مائة ألف إنسان . وشرد \5\ ملايين، وهدّم المدن والمنشآت والمعامل ، بما تقدر تكلفته 300 مليار دولار. والفاتورة لم تنته بعد.
ولقد كان واضحاً، منذ البداية، أن ” النظام” سيحاول البقاء بأي ثمن. وصار واضحاً، بعد عسكرة “الانتفاضة ” أنها تريد الانتصار وإسقاط النظام بأي ثمن.
الغريب في مثل هذه الصراعات تعتبر كلمة ” بأي ثمن” مفردة انتحارية ، ولكنها تعامل بخفة تلفزيونية. فلا يعقل أبداً الحصول على الشيء، أي شيء، بأي ثمن!
لا يمكن هدم مدينة لأن فيها ألف مسلح.
ولا يمكن بناء نظام ديمقراطي بمائة ألف قتيل.
ولكن كلمة ” بأي ثمن” هي ما نراه في حياتنا. وحتى الآن ، لا يمكن لأي بلاغة على وجه الأرض، وصف كمية ونوع ومدى ديمومة الألم البشري لجماعات بشرية فقدت كل شيء، وأي أمل. وهي ما لا يقدّر بأي ثمن !
إن ما يضحك، بعد مرور سنتين، شعارات كثيرة منها الحرية والكرامة.. فقد يسقط النظام. ويحكم من يحكم… وتتوالد الشعارات، لكن ثمة مليون طفل سوري سيكونون حملة ذاكرة بشعة، ووجدان محطم، وخوف متحكم… بحيث لا تفيدهم الكرامة والحرية الآتية من هذا الهول المرعب والحطام العميم. والتهتك الفظ لنسيج المجتمع السوري. إن ذاكرة الشعوب هي أحد أثنين: الحضارات أو الحروب!
……
بعد سنتين ألا يكفي؟ ألا يوجد من يقدم عريضة إلى الله عليها تواقيع السوريين جميعاً؟
قال مارتن لوثر كينغ| ” قدرنا إما أن نعيش، معاً، كالإخوة، أو نموت، معاً، كالحمقى!”
إن من السخرية أن تظل تشير إلى السماء لمن لا يراها!

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى