كتاب الموقعنوافذ

نصائح إلى القتلى

نصائح إلى القتلى  … لا يتقدم العقل إن كانت قدما حامله قذرتين”
…………………………………………….

كتب أحدهم مؤخراً: يجب على القوى الدولية أن تتدخل في ميدان المعركة في سورية لتعديل ميزان القوى لصالح الثورة، الأمر الذي يؤدي إلى قبول النظام بالتنازلات ويكون الحل الدولي مبنياً على خريطة الواقع.
وبما يشبه السذاجة المعهودة لهذا الكاتب المعارض يقول: على طاولة بوتين وأوباما تكون الأوراق الآتية من الميدان وميزان القوى على الأرض وهناك يحدث التقاسم الوظيفي.
الذي حدث، وهو ليس حدثاً غريباً أن المتدخل الأول بعد هذا القول كان إسرائيل حيث قصفت مواقع سورية وليس قوافل صواريخ وعلى الأرجح ضربت مواقع لقوات النخبة العسكرية.
ولا أعلم إن كان ترحيب البعض علنياً لهذه الضربة يعني ترحيب صاحبنا سرياً بها، وكيفما كانت الغارة فهي مساهمة صريحة بمعركة محتدمة قبل المفاوضات بين الروس والأمريكان.
مساهمة ميدانية بالمعنى العسكري.
مرة حاولت إقناع هذا الكاتب وفي الأشهر الأولى من الثورة السورية، أي في نيسان ابريل 2011 ، بأن عليه اتباع نصيحة المعلمين الأوائل في الإستراتيجية، حيث الأهداف الواضحة والخطوط الواضحة هو بناء لا يتغير بين يوم وليلة، ولكن التكتيك يتغير بين ساعة وأخرى وخصوصاً في الميدان والأخطاء في هذا المجال هي إحلال التكتيك في مكان الاستراتيجية، ويسمونها بالعامية  “التخبيص… أي خلط غير المتآلف”.
وقد ناقشت في عدة أمور هي:
1- النظام في سورية سيدافع عن نفسه بكل الوسائط والقوى حتى لو أدى الأمر إلى مئات آلاف الضحايا من كل أصناف السوريين.
2- جيش النظام لم يستعن بالرمل في الأكياس على مداخل الثكنات بل بنى بالإسمنت المسلح حصونه الداخلية والخارجية وهو الجيش الذي بناه الأسد الأب على أساس أن آخر انقلاب في تاريخ سوريا سيكون الانقلاب الذي قام به هو عام 1970 ولهذا لا يتوقعن أحد انشقاقاً مهما في الجيش السوري.
3- استدراج المعارضة إلى حمل السلاح، أو قرارها المسبق في حمل السلاح في مرحلة من مراحل الانتفاضة سيقضي على كامل آمال التغيير السلمي في البلد لعشرات السنين، وسيقدم السوريين ضحايا لا يريدها أحد فيصبح السلاح ليس أداة تغيير بل أداة تدمير وتصبح المطالب العادلة متهمة أمام الوقائع الظالمة.
4- ليس هناك ليبيا في سوريا ولا ميدان القاهرة في ساحة الأمويين ولا بن علي يقول له رئيس الأركان: الطائرة جاهزة سيدي، ولا علي عبدا لله صالح تقول له السعودية: اجلس في بيتك ودع أعوانك يحكمون وأنت تتسلى بجلسات القات.
5- حلفاء النظام سيرممون كل أنواع النقص نتيجة الصراع، وهم حلفاء استراتيجيون من إيران إلى حزب الله ولن يدعوا هذا النظام ينهار أمام أعينهم.
6- الروس موقفهم ثابت ونهائي فهم يحلمون بدور قائد وحليف وهذا يعني أنهم شركاء.
7- النظام لن يسقط، كما تتخيل، في شهور ولا سنوات وسيحارب بقوة متزايدة فيما الآخرون سيقاتلون بقوة متآكلة.
8- الحلول مهما ابتعدت، والأزمة مهما تعقدت، سيكون هناك لحظة دولية للمفاوضات.
………………………………………………………..

هذا الكاتب كاد أن يتقيأ استخفافاً بعقلي الصغير فرد علي ردوداً مقتضبة على طريقة:  أتراهن؟
والحقيقة لا أدعي تفوقا عليه في الذكاء بل أزعم اني أتفوق عليه بالبصيرة.
_ سيسقط النظام خلال أشهر.
_ سيتدخل النيتو وتركيا.
_ سيشتري الأمريكيون الروس بدولارات الخليج.
_ سيتمزق الجيش المهلهل أصلاً.
_ حلفاء سورية لا يساوون شيئاً أمام ضربات موجعة وحاسمة للنظام.
_ وطبعاً هناك وعد بان النظام القادم: مدني.. عقلاني.. ديمقراطي.. حر.. تداولي.. وسيقرر السوريون الذهاب إلى الجنة عير طريق الجحيم!
………………………………………………………..

المؤسف ليس الكاتب وما يكتب في مثل هذه الأحوال، فهو في الحد الأقصى،  سيعبئ أنفاراً من العقل العام ولكن أن تكون كل هذه التصورات هي حقائق بنظر قادة المعارضة ووراء هذه الحقائق قرارات تؤدي إلى زج البشر في المطاحن 24 ساعة فهذا يعني الوصول إلى إنجاز يومي لكارثة دموية لا منتصر فيها أبداً.
إن الوعد بالانتصار يزيد شجاعة الشجعان ويشجع الجبناء ولكن الإخلال بهذا الوعد عدة مرات، مع بضع آلاف من القتلى يجعل الوعد خيانة وغشاً فيبدأ الفشل في الميدان بإنتاج هزيمة الفكرة!
وهكذا تنتهي الصراعات عادة بتخفيض مطالبها:
ترميم الخراب.
تضميد الجراح.
عودة المهجرين.
تعويض بعض الخسائر.
وأخيراً اختراع أنواع مؤلمة من… النسيان
………………………………………………….

بعد أقل من شهر كان صاحبنا الكاتب الذي حدثتكم عنه قد صار في إحدى العواصم الأوربية. ومن هناك بدأ بإرسال نصائح إلى… القتلى.
آخر أخباره اليوم بأنه عاتب على الأمريكان لأنهم يغيرون مواقفهم في… موسكو.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى