كتاب الموقعنوافذ

يوسف العظمة

“على الموت أن يستأذن في الدخول إلى بيوت بعض الناس”

في كل 17 نيسان من كل عام أتذكر هذا النوع من التعريف بالعظماء في نبرة الإيجاز الخالدة… والشخص العظيم الذي أتذكره هو يوسف العظمة .
تشرشل ـ أعظم رئيس وزراء بريطاني ـ أراد تعريف نفسه فقال:
” أنا من بلد شكسبير”.
إن هذا لا ينطبق على كل البلاد، ولا على كل الأشخاص، ولا على كل الطرق الذكية في رفع الواقع إلى مرتبة الرمز! فثمة بلدان تفتخر بأنها ذات رقعة جغرافية أصغر من قرية ـ كهولندا ـ وتنتج قدر ما ينتجه العالم العربي كله ما عدا النفط.
وثمة بلدان تفتخر بالأسرة بدل الأنبياء والشهداء الكونييّن . وهناك ما يبدو أنه شبه سخرية ، كأن يسألك تونسي، عندما تقول له ” أنا سوري” فيعلّق :
آآه… أنت من بلد دريد لحام !!
أحد الشعراء البريطانيين رأى الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، على فراش الموت، وكان هيكلاً عظمياً… فقال:
أتمنى أن أعيش شاعراً بريطانياً.
وبعد أن رأى، هو نفسه، الحفاوة اللاحقة بجنازة وذكرى السيّاب…
قال: ” لكنني أتمنى أن أموت كشاعر… عربي”
في بلاد الأحلام العظيمة، والممرات العظمى (طريقاً شائكاً إلى هذه الأحلام)… يوجد من يستحق تمثالاً حياً في الذاكرة وفي الأماكن اللائقة للتأمل. لأن ثمة تعبيراً واحداً، هو صغير وبسيط، وغير إنشائي للإمتنان لهؤلاء…

” شكراً… من أجل تضحية غير مسبوقة.
شكراً… من أجل نص يجعل قارئه أفضل حالاً بعد القراءة.
شكراً… لأن وجودك بيننا دلّ علينا!”
إلى آخره …!
إن هويات البلدان، مثل هويات الأشخاص، تراكمية ومتنوعة، موحدة في البطاقة، مختلفة في ” الذات الإنسانية”. وينبغي احترام التراكم، فلا أحد يلغي أحداً، ولا يحق لجيل أن يقول للممحاة اكتبي سيرة من سبقوني. كما ينبغي احترام التنوع في الهوية الواحدة، وصولاً إلى الفرد، الذي وإن غرد وحيداً خارج السرب، يكون غناؤه تعبيراً عن نوع بأكمله.
مانحتاجه… هو تاريخ متصل، تاريخ لا يُكتب بقلم سلطة زمنية سادت ثم بادت، ثم تعاد كتابته بأقلام سلطة أخرى، هي الأخرى سادت ثم بادت. وكلنا يعلم أن الحذف ـ بريئاً أو مقصوداً ـ هو… كتابة، ولكن بقلم النوايا السيئة !
وإذا كان التاريخ موجودية الأحداث، فإن الأشخاص موجودية اللحظة في التاريخ، لا تلك ولا هؤلاء قابلين للحذف. والتاريخ قصة، أكثر رسوخاً كقصة بتفاصيل ذات طبيعة إنسانية. وأظن أن الأدب هو المغذي الأول لثقافة الاهتمام بالتفاصيل:
إن يوسف العظمة في كل 17 نيسان، بزمن سوري، هو بطل تضحية تراجيدي. ولكن القصة ليست كذلك في ثقافة الأجيال السورية. إنه بطل معركة ميسلون في لحظة موت استشهادي . في قصته يجب أيضا وراثة المعنى. يجب أن نتذكر كيف أوصى بأن تتمكن ليلى، ابنة وزير الدفاع الأول في سورية، من العيش من بعده. فالدم الذي تركه لها لا يشتري خبزاً، وهو لم يكن وزير الدفاع من النوع الذي يملأ جيوبه من خزائن الجند.
إن يوسف العظمة، في يوم استقلال سورية (17 نيسان)، هو الشخص المؤلم المفرح في وقت واحد…
يوسف العظمة، على مستوى الجغرافيا،  يجعلنا نجيب:
ـ أنا من بلد يوسف العظمة !

12.04.2014

بوابة الشرق الاوسط_الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى