أفضل عشرة أفلام (عدنان مدانات)

 

عدنان مدانات

على مدى عقود عدة من الزمن، كان من عادة المجلة السينمائية البريطانية الشهيرة “صوت وصورة”، التي تصدر عن المعهد البريطاني للسينما، أن تجري استفتاء بين النقاد السينمائيين حول أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما . كانت تتصدر الاستفتاءات بشكل متواصل بضعة أفلام لا تتغير وغالباً ما يحتل المرتبة الأولى فيها فيلم “المواطن كين” ،1941 للمخرج الأمريكي أورسن ويلز، ويحتل المرتبة الثانية فيلم “المدرعة بوتمكين” ،1925 للمخرج الروسي سيرغي أيزنشتاين، وفي بعض الأعوام كان يتبدل الترتيب، إنما كانت تظل غالبية الأفلام المختارة هي نفسها في قائمة أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما .
في هذا العام، طرأ تبدل جذري على أسس اختيار أفضل الأفلام يتمثل في اعتبار المعيار للاختيار هومدى التأثير الشخصي الذي أحدثه الفيلم على الناقد، وهكذا، وللمرة الأولى تتاح الفرصة لاختيار فيلم المخرج البريطاني الأصل الفريد هيتشكوك “الدوار” ،1958 كأفضل فيلم في تاريخ السينما، محتلاً بذلك المركز الذي كان غالبا ما يشغله فيلم “المواطن كين” .
معظم الأفلام التي كان يتم اختيارها في الماضي تنتمي إلى البدايات المبكرة في تاريخ السينما، وصولا إلى فترة ما قبل منتصف القرن العشرين التي أخرجها مخرجون وصفوا بالرواد العباقرة، وكان الاختيار يتم على أسس موضوعية تستند إلى الإنجازات التي حققها أولئك المخرجون الذين تعاملوا مع فن سينما حديث العهد كان في ذلك الوقت بسيط التقنية، وكان عليهم ليس فقط أن يبدعوا، بل عليهم تحديداً أن يكتشفوا طبيعة وسائل التعبير السينمائية، أي ما يسمى مجازاً بلغة السينما .
تميزت أفلام أولئك المخرجين بقوة الإخراج وبقوة التأثير الذي مارسته على رواد السينما في ذلك الوقت، وظلت تمارسه على رواد السينما اللاحقين رغم تقدم الزمن وتطور التقنيات .
تعود الاكتشافات الأولى لعناصر فن التعبير السينمائية إلى المخرج الفرنسي جورج ميليه الملقب بساحر السينما الذي بدأ إخراج الأفلام منذ نهاية القرن التاسع عشر، ومزج بين صور الواقع والمؤثرات البصرية التي استفاد فيها من خبرته كساحر، وتنتمي المرحلة الثانية من الاكتشافات السينمائية إلى المخرج الأمريكي دافيد وورك غريفت الذي طور استعمال اللقطة القريبة، واكتشف إمكانيات التصوير عكس الضوء واكتشف إمكانيات المونتاج المتوازي وأخرج في العام 1915 أول فيلم تاريخي ملحمي طويل في تاريخ السينما، وهو فيلم “مولد أمة” الذي ظل عبر السنوات يعتبر من بين أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما .
تسيد المرحلة الثالثة سيرغي أيزنشتاين الذي بدأ عمله مخرجاً في بدايات  عشرينيات القرن العشرين، وكان أبرز أفلامه “المدرعة بوتمكين” الذي تميز بمهارته  في القص الروائي الذي استطاع من خلاله أن يحول حادثة تمرد بحارة سفينة حربية إلى رمز يعبر عن الثورة الروسية، وتميز كذلك بقوة السرد مستخدماً أقصى ما يمكن من إمكانيات المونتاج التعبيرية، حيث لا يزال مشهد، أو مقطع، سلالم “أوديسا” الشهير يعتبر نموذجاً مهماً دالاً على قدرات المونتاج التعبيرية .
تنتمي المرحلة الرابعة الأساسية من مراحل الاكتشافات المهمة لوسائل التعبير السينمائية إلى المخرج أورسن ويلز الذي كان في الرابعة والعشرين من عمره عندما أخرج فيلمه الروائي الأول “المواطن كين”، وحقق من خلاله إنجازاً في فن السرد مستخدماً للمرة الأولى تعدد الأصوات وتداخل الأزمان ما بين الماضي والحاضر، ومكتشفاً، وهذا هو الأهم في رأيي، ما سمي بالتصوير في عمق المجال الذي جعل اللقطة في مقام المشهد من دون الوقوع في فخ الشكل المسرحي الذي كان سائداً في الأعوام الأولى للسينما، عندما كان التصوير يجري للحدث كاملاً من زاوية واحدة، ومن مسافة واحدة .
كان بعض أولئك المخرجين لا يكتفون بإخراج الأفلام، بل يمارسون البحث النظري حول فن السينما، مثل المخرج سيرغي أيزنشتاين الذي أنجز عدداً كبيراً من الأبحاث النظرية حول فن السينما الروائية، التي ضُمت لاحقاً في أربعة مجلدات ضخمة (صدرت بعض أجزائها باللغة العربية، ومنها كتاب “الإحساس السينمائي”)، وكانت أبحاثه تتزامن مع أبحاث زميله الروسي فسيفولد بودوفكين، وتناقش بشكل خاص دور المونتاج في السينما، ويحسب لإيزنشتاين، مثلاً، دراسته العميقة والرائدة حول اللون في السينما، في وقت كانت الأفلام فيه تصنع بالأبيض والأسود .
بالتزامن مع الجهود النظرية في حقل السينما الروائية، كانت ثمة جهود نظرية في حقل السينما التسجيلية، تسعى لاستكشاف وتحديد طبيعة وخواص وإمكانيات وآفاق هذا النوع من السينما الذي يعتمد اعتماداً مباشراً على نقل صور الواقع، ثم إعادة تنظيمها في شكل فني جديد، وكان من رواد هذه الجهود البحثية المؤسسة في مجال الفيلم التسجيلي المخرج الروسي دزيغا فيرتوف (صدر له بالعربية كتاب “الحقيقة السينمائية والعين السينمائية”)، والمخرج البريطاني جون غريرسون (صدر له بالعربية كتاب “فن الفيلم التسجيلي”)، اللذان لا تزال أفكارهما، إضافة إلى أفكار أيزنشتاين وبودوفكين، من ضمن المناهج الرئيسية في معاهد السينما في العالم .
يعتبر العديد من النقاد السينمائيين ألفريد هيتشوك الذي اشتهر بإخراج أفلام الإثارة البوليسية مخرجاً عبقرياً، وتطلق صفة العبقري أيضاً على العديد من المخرجين في زمنه، ومنهم المخرج الفرنسي جان إيلوار، والمخرج الأمريكي جون فورد (ومن الثلاثينيات والأربعينيات، وفي الأزمان اللاحقة، ومنهم الياباني أكيرا كيروساوا، والسويدي أنغمار برغمان والإيطالي فديريكو فيلليني، والفرنسي جان لوك غودار (ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بخاصة)، والأمريكي المعاصر ستيفن سبيلبرغ، وغيرهم من المخرجين المعاصرين الذين لكل منهم أسلوبه الخاص، إنما من العدل التفريق بين عبقريتهم وعبقرية الأوائل الذين اكتشفوا وطوروا، فيما بنى اللاحقون على ما اكتشفه الأولون.

صحيفة الخليج الإماراتية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى