في الأسبوع الماضي غطت وسائل الإعلام الاضطرابات التي حدثت في أمستردام بعد مباراة من مباريات الدوري الأوروبي. وركزت الأخبار على أن مشجعي الفريق الإسرائيلي تعرض للضرب، وأن وزير الخارجية الإسرائيلي تدخل وأحتج ونتنياهو حذر الإسرائيليين من السفر إلى هولندا. القصة وصورها المقدمة تعرض الاضطرابات في الشوارع، وتصور أناس يتضاربون، وتعرض شبان يتقاتلون. الناس تتقاتل والفوضى تملأ الشوارع وأين؟؟ في وسط أمستردام في هولندا. وغالبا مالت الأخبار إلى عرض يفيد أن المشجعين الإسرائيليين هم الذين يتلقون الضرب ويعتدى عليهم.
هكذا غاب أو غيب عن القصة أصلها واساسها وروح معناها. لأن حقيقة القصة، تقول أن الفريق الإسرائيلي (مكابي أبيب) خسر أمام فريق أمستردام بشكل مخز “خمسة صفر”. فغضب المشجعون الإسرائيليون. وخرجوا إلى شوارع أمستردام هائجين. وعندما صادفوا أعلاما فلسطينية رفعها هولنديون تأييدا لغزة قام هؤلاء الإسرائيليون الهائجون بهاجمة الأعلام الفلسطينية ونزعها وتمزيقها والدوس عليها بجنون ورعونة وانتقام.
فتصدى لهم أصحاب البيوت والمحلات الهولنديين الرافعين للإعلام الفلسطينية المعتدى عليها. وتحمس أبناء الجاليات العربية، خاصة الجزائرية والمغربية، وانحازوا إلى الهولنديين الذين يدافعون عن الأعلام الفلسطينية التي أعتدي عليها من الإسرائيليين الهائجين بطريقة بدائية. وتطورت الأحداث بشكل تلقى فيه الإسرائيليون تأديبا قوياً على تمزيقهم للعلم الفلسطيني وعلى ما تفعله حكومتهم من إبادة في غزة. جوهر القصة علم فلسطين وغزة، وأساس الحدث اعتداء إسرائيلي همجي على علم فلسطيني مرفوع بخيار هولندي إنساني سياسي. هذا الأساس للحدث غاب وطمس في معظم التغطية الإعلامية. والكارثة أن المحطات العربية الكبرى والمؤثرة انساقت نسبيا وراء عملية الطمس والتغييب هذه.
الحدث له وجهان. الأول، وجه سياسي يشير إلى دعم من الهولنديين لفلسطين ضد العدوان الإسرائيل على غزة، والتعبير عن هذا الدعم برفع الأعلام الفلسطينية على شرفات البيوت وواجهات المحلات. كما يشير إلى الحمية القومية العربية لدى الجاليات الجزائرية والمغربية في تأييد فلسطين والدفاع عن علمها وإعلان رفضهم لإسرائيل وما تقوم به في غزة. الوجه الثاني للحدث، مهني إعلامي تجلى بالخبث الماكر والماهر في أسلوبيه الإخبار عن الحدث بتضخيم صور الاضطرابات وإظهار الإسرائيليين كضحايا يضربون من الأخرين، وبطمس وتغييب أصل وأساس القصة وهو اعتداء المشجعين الإسرائيليين على الأعلام الفلسطينية المرفوعة على بيوت ومحلات الهولنديين ومن قبلهم، والتعدي على أصحاب البيوت والمحلات المدافعين عن بيوتهم ومحلاتهم وخياراتهم.
ما جرى حول حدث أمستردام من إعلام يطمس ويغيب أصل القصة هو إعلام خبيث لكنه ماهر مهنيا ومؤثر ومستمر في الكثير من التغطيات. وهذا ما يكشف ضرورة وجود إعلام مقابل ونزيه يقدم القصة بحقائقها كي لا يسود الضلال، وكي لا يتحكم التزوير الخبيث بعقول المتلقين. مع التأكيد على ضرورة صياغة النزاهة الإعلامية المطلوبة بمهنية راقية وأداء كفوء وإبداع خلاق يوازي مهنية وإبداع الإعلام المضاد، ويفضح مكره وخبثه لأن الإبداع في الإعلام هو الفاعل المؤثر. أما البلادة فهي تضيع أشرف وأنزه القضايا لأنها تنتج إعلاما يعمي القلب بغبائه، وينفر المتابع بسماجته. . .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر