نوافذ

” الولايات المتحدة العربية”!

باريس ــ ” الولايات المتحدة العربية”! عندما كنا نخرج ، منذ ستين عاماً تقريباً ، في مظاهرات ، في ” بيروت”، مطالبين بالوحدة العربية الشاملة الكاملة ( بدنا الوحدة هبرة زلط)، كنا نمثل تطلعات ” الأمة العربية” في تحقيق دولة الأمة ، غير المتحققتين عملياً ، وكانت مطالبنا كناية عن أحلام النخب السياسية والثقافية ، المنخرطة في الأحزاب والحركات القومية ، مثل ” حزب البعث العربي الاشتراكي ” ، والحركات ” الناصرية ” المتعددة الأسماء ، والأحزاب التي كانت تنادي بـ ” عروبة ” جزئية أو إقليمية مثل ” الحزب السوري القومي الاجتماعي ”  ، الذي نادى ب ” سوراقيا” ، ووحدات:  دول النيل ،و شمال أفريقيا ، والخليج .

فماذا حدث منذ إنشاء الدول العربية الإقليمية حتى اليوم ؟

إن ” الهياكل الوطنية ” التي خلقها الاستعمار التركي فالأوروبي ، والتي كنا ضدها، لأنها : لا تمثل ، حسب نظرتنا الشاملة والحالمة ،  لا روح الأمة العربية ، ولا تطلعاتها ، ولا حاجاتها …فلم تستطع هذه الكيانات المحافظة على فلسطين ، ولم تصمد أمام المتغيرات الداخلية والخارجية ، وبدأت تنقسم على نفسها ، في غزوات و حروب بدوية وطائفية ومذهبية وتخلّفيّة ، فشهدنا في غير مكان ، حركات انفصالية داخلية ، جزْأت المجزّأ .وهاجمت دول عربية دولاً عربية أخرى بتحريض أمريكي حيناً ، وبأطماع السلب والنهب والغنائم والسبايا حيناً آخر. وخسرت بعض الدول العربية مساحات كبيرة جداً من أراضيها … وعمَّ الجهل والفقر والعوز عدة أقطار عربية …وأقيمت معاهدات ” السلم ” والدفاع العسكري المخابراتي والاقتصادي والثقافي ، بين عدد من الدول العربية و ” إسرا ئيل ” ضد عدد آخر من دول عربية لا تزال ترفض الاعتراف بالأمر الواقع ، وتحاول إقامة محور مقاوم لمواجهة الأخطار  التي تتهددها . وقويت  حركات التكفير  هنا وهنالك ، ودُمِّر الفكر القومي والعلماني أو يكاد …وصار العرب أجمعين أكتعين أصبعين في وضع  لا يحسدون عليه ، ولا يسرُّ صديقاً ولا يغيظ عدواً .

فماذا بقي أمام الدول العربية كي تحافظ على نفسها أو على ما بقي منها ؟

إن دراسة تجارب الأمم والشعوب المتحضرة غير البدوية قد ينفع من يفكر بعيداً من عملية الغزو وتوزيع الغنائم والأسلاب …

فهذه دول أوروبا التي مزقتها الحروب الدينية ( الطائفية والمذهبية ) ، والاقتصادية ، والثقافية ، والثأرية ، قد أوجدت صيغة تسهل تحقيق مصالح الناس ، وتمنع الحروب ، وتتجاوز التنوع اللغوي والثقافي والحضاري ،  …الخ،

إن العودة الى تاريخ الحركات والأحزاب في الدول الناطقة بالعربية تجعل الباحث يفكر في صيغة ” الولايات ” أو جمهوريات سوراقيا ، ووداي النيل ، وشمال أفريقيا…

إذا وجد الحضر في سوريا الكبرى صيغة تحفظ خصوصية هذه الجمهوريات من جهة ، وتؤمن مصالح سكانها وحرية حركتهم وتفاعلهم من جهة ثانية ، فإنهم يخطون بذلك خطوة إيجابية تحفظ الجزء وخصوصيته وتؤمن حماية جماعية للمجموع بأكمله ، مثل دول الاتحاد الأوروبي مثلاً …

فاتحاد جمهوريات سوراقيا ، المؤلف من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق  والأردن والكويت ، إن رغبت هذه الدول والإمارات بذلك ، يشكل قوة للجزء وللكل ، ولا تمنع أحلام من يفكرون بالوحدة العربية الشاملة الكاملة ، ولا تثير مخاوف من يريد المحافظة على خصوصيته وامتيازاته ، لأنها خطوة أو نصف خطوة نحو الخروج من جهنم الطوائف والمذاهب والقبائل والعشائر والتكفير الفردي والجماعي على كل المستويات.

*الدكتور عصام نور الدين باحث لبناني معروف ــ نشر عددا من البحوث اللغوية والسياسية والقومية ـ عمل أستاذاً في الجامعات اللبنانية ويعيش حاليا في فرنسا.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى