نوافذ

أوكورديون

اليمامة كوسى

أوكورديون… من قلبِ الساعة الغافية بعمقٍ على حائط غرفتي؛ تسلّلَتْ بضعُ ثوانٍ رشيقةٍ كانت قادرةً على قطع أمتارٍ أو ربما كيلومترات في عقلي، جعلتني معها أتعجّب كم هي المقاييس الزمنيّة متفاوتةٌ لدينا نحن البشر!

فلا يمكن أن يكون لكل وحدات الزمن القيمة نفسها المتعارف عليها على الدوام..

فالزمن هو آلةُ الأوكودريون العتيقة الخاصّة بكلّ منّا، والتي لا نعرف الكثير عن أصلها فيما إذا كانت مصنوعةً بأيدٍ ما أم أننا نحن من صنعناها؟!

ولكن وفي جميع الأحوال نجد أجزاءها تتقارب وتتباعد بمرونة فائقة تعزف من خلالها مشاعرنا ومكنوناتنا في أوقاتنا ومزاجاتنا وأحوالنا المختلفة.

ولذلك نجد بأن لحظات الحزن والخوف والانتظار تتمدّد بين طرفي تلك الآلة، بينما تنضغط بداخلها لحظات الفرح والبهجة والطمأنينة ونحن نتشاركها مع مَن نحبّ.. تنضغط بشكل يجعلنا نقول بأننا لم نشعر بانقضائها!

ولعلّ أكثر المقطوعات روعةً هي تلك تُعزَفُ في لحظاتِ اكتشافنا لأمرٍ ما عن أنفسنا، فبينما نسعى جميعاً لمعرفة ما حولنا ومَن حولنا؛ يكون الأجدى والأجدر بنا أن نعرف أنفسنا أولاً..

أن نسبر أعماقها وسرائرها.. نكتشف قدراتها وطاقاتها.. نعي نقاط ضعفها وقوّتها.. ولذلك كانت تلك الثواني القليلة الهاربة من ساعة الحائط مؤثرة بي إلى ذلك الحدّ..

تناهى إلى سمعي وقع تكّاتها المتخامدة بانتظام، شعرت برأسي حينها ثقيلاً وأطرافي مخدّرةً لا تقوى على الحراك، وبقيت على هذه الحال لبرهة من الزّمن فتحت بعدها عينيّ بصعوبة لأدركَ بأنّ النعاس قد غلبني وأنا أجلسُ على طاولتي التي تعجّ بالأقلام والأوراق الخاصّة بمقرّر المادة التي كان لديّ فيها امتحان بعد ساعات!

في تلك اللحظة بالذات اكتشفت بأنني سعيدةٌ بما أفعلهُ حقّاً..

سعيدةٌ بما أتعب من أجله، وبما أنزف من وقتي كرمى له طيلة تلك السنوات.

سعيدةٌ لأنني أقوم بما عليّ أن أقوم به بكل إخلاص وحبّ واستمتاع برغم كل الضغوطات التي مرّت وستمرّ..

أكملت دراستي، نمت قليلاً ثمّ ذهبت إلى امتحاني وأنا أحمل معي اكتشافي الصغير الجميل ذاك..

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى