أيّة أسس سياسيّة خلف جنيف؟ (سمير العيطة)

 

سمير العيطة

أطلقت عمليّة التفاوض الحالية الجارية في جنيف آليّات قد تتخطّى كلا الفريقين المفاوضين. الدلالة على ذلك تكمن في تعدّد المبادرات لعقد لقاءات بين أطياف من المعارضة والموالاة هنا وهناك. لكن المشكلة هي في انسداد أفق التفاوض الحالي باعتماده على الشطارة أكثر من السياسة، كأساس لوضع تصوّر حقيقي لإنقاذ سوريا كوطن.
يعمل النظام على تضيّع الوقت في جنيف بينما يقيم مصالحات واتفاقات لوقف إطلاق النار على الأرض. إن هذا يؤسّس لإدارة ذاتية ستغيّر إذا ما تعمّمت القواعد الدستوريّة القائمة ولن يكون دوامها ممكنا من دون غطاء سياسيّ ومؤسّساتي حقيقي.
وفد «الائتلاف» يضيّع أيضا الوقت عبر طرح ورقة رؤية للحكومة الانتقالية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنّها تشكّل تراجعاً عن أسس التوافقات الوطنيّة التي تمّت صياغتها في القاهرة في تموز 2012. ذلك أنّ مرجعية هذه الرؤية هي لقرارات مجلس الأمن الدولي وليست لعهد وطني تتوافق عليه الأطراف. كما أنّ الحكومة لا رقابة عليها من قبل جسم تشريعي أو قضائي انتقالي مستقلّ عنها، وتستمرّ في حيازة سلطاتها المطلقة ليس حتّى انتخاب مجلس تأسيسي كما في تونس، وإنّما حتّى انتخاب برلمان على قواعد دستور جديد. فمن قال أنّ الطرفين المفاوضين الحاليين يحقّ لهما الاستفراد طويلاً بالسلطة المركزيّة إن اتفقا من دون رقابة شعبيّة؟ وما معنى هذا الاستفراد في ظلّ انتشار السلاح والإدارة الذاتية بحكم الواقع للبلدات والمناطق؟
الأسوأ من ذلك أنّ طرفي التفاوض الحاليين يتلاعبان في ممارستهما حيال بقيّة أطياف المعارضة السياسيّة كما المدنيّة، من جهة عبر الاعتقالات والضغوط، ومن جهة أخرى عبر محاولات سياسيّة تهدف إلى شرذمة تلك الأطياف تحت غطاء خطابات سياسيّة معسولة، وبدعمٍ من القوى المسمّاة "صديقة" لسوريا. وكأنّما الهدف هو الوصول إلى "اتفاق طائف" لتقاسم السلطة على الطريقة اللبنانيّة، ليس هو بين الطوائف بقدر ما هو بين أمراء الحرب لاقتسام الغنائم. يشمل تعبير أمراء الحرب هنا ليس فقط الذين بإمرتهم كتائب مقاتلة بل بشكلٍ أوسع المستفيدين من هذه الحرب.
يرفض الطرفان العمل على قواعد سياسية للتوصّل إلى رؤية أسس الوطن والمواطنة المستهدفة أو لوضع المرحلة الانتقاليّة على أرضيّة دولة قانون بالحدّ الأدنى بحيث يتم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، مع توضيح العلاقة بين السلطات المركزيّة والمحليّة. لا شك أنّه يجب التوصّل إلى توافق إقليمي ودولي لإخراج سوريا من الحرب القائمة، ولكن ليس لوضعها تحت الوصاية الدوليّة، وإنّما فقط لضمان التزام الأطراف الخارجيّة بحلٍّ سوريّ. وصحيحٌ أنّه يجب محاربة الإرهاب ولكن ليس من أجل الإبقاء على من تسبّب بالإرهاب. وصحيحٌ أنّه يجب الانخراط في مرحلة انتقالية ولكن ليس فقط من أجل إيصال الإغاثة وإطلاق المعتقلين، وحتى من دون رفع العقوبات الاقتصادية، كما ورد في وثيقة طرف المعارضة في جنيف. وإنّما لإعادة بناء سوريا التي دمّرها أمراء الحرب هؤلاء، موالاة كانوا أم معارضة. إن الحلّ السياسيّ هو بالتحديد من أجل الوطن وأهله لا من أجل الزعامات السياسيّة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى