إجراءات متوقعة لم تحصل بعد (علاء الأسواني)

 

علاء الأسواني

شكل حادث مسطرد واقعة مهمة في تاريخ مصر، ففي يوم 15 آذار 2014 تمكنت مجموعة إرهابية من قتل ستة من الجنود المصريين في كمين تابع للجيش بمنطقة مسطرد، وأثبتت التحقيقات أن الجنود الشهداء كانوا نائمين ولم يتمكنوا من إطلاق رصاصة واحدة دفاعاً عن أنفسهم. كشف هذا الحادث عن تقصير في تأمين القوات، كما أكد ان الارهابيين المناصرين لجماعة «الاخوان» يستهدفون إسقاط الجيش الذي كان دائماً بمثابة العمود الفقري لمصر. في تلك الفترة كان المشير عبد الفتاح السيسي يشغل منصب وزير الدفاع، وإن كان من الناحية العملية الحاكم الفعلي للبلاد في الفترة ما بعد إسقاط «الاخوان» وقبل انتخاب رئيس جديد. وقد أجمع المؤرخون على أن السيسي بعد حادث مسطرد وجد نفسه بين اختيارين إما أن يقصر مقاومة الارهاب على الجانب الأمني ويستمر في السياسات ذاتها التي اتبعها بعد سقوط «الاخوان»، وإما أن يلجأ الى إجراءات إصلاحية فورية تحقق العدل وتستعيد وحدة الصف الوطني في مواجهة الارهاب، وقد تلخصت الإجراءات المتوقعة في ما يلي:

أولاً: إلغاء قانون التظاهر
والإفراج عن جميع المعتقلين

بالرغم من أن الدستور كان ينص على الحق في التظاهر، إلا أن السلطة الانتقالية أصدرت قانوناً غير دستوري للتظاهر، استعملته الأجهزة الأمنية في القبض العشوائي على المتظاهرين وضربهم وتعذيبهم ثم تلفيق باقة التهم المعتادة لهم.. أدى ذلك الى اعتقال آلاف المواطنين، كثيرون منهم لا علاقة لهم بـ«الاخوان»، بل إن من بينهم شباناً ثوريين كان لهم دور كبير في التخلص من حكم «الاخوان». بعض الأجهزة الأمنية في تلك الفترة كانت تحركها شهوة الانتقام من شباب الثورة الذين أسقطوا مبارك في «يناير 2011».. وحيث أن المحبوسين كثيراً ما كانوا يقضون أسابيع طويلة من دون إحالتهم الى المحاكمة، فإن ذلك جعلهم من الناحية العملية في حكم المعتقلين. كل هذه الممارسات القمعية أدت الى تشويه صورة السلطة المصرية في الخارج، الأمر الذي صب في مصلحة «الاخوان» الذين كانوا يسعون لإقناع العالم أن ما حدث في «30 يونيو» انقلاب وليس ثورة. كما أدى القمع الى انصراف قطاع كبير من الشباب عن تأييد السلطة الانتقالية لأنهم رأوا زملاءهم يعتقلون ويقضون أعواماً في السجن لمجرد أنهم اشتركوا في تظاهرة. إن الغاء قانون التظاهر المخالف للدستور والافراج عن المعتقلين واحترام الدستور وحقوق الانسان، كلها إجراءات لو أن المشير السيسي اتخذها، لكان من شأنها تحسين صورة الحكومة المصرية واستعادة ثقة المواطنين جميعاً فيها، مما يؤهلها للانتصار على الارهاب.

ثانياً: تخضيص دوائر قضائية
خاصة لسرعة البت في جرائم الإرهاب

بينما كان شباب الثورة يخضعون لمحاكمات عاجلة تلقي بهم في السجون لمجرد أنهم اشتركوا في تظاهرة، فإن الإرهابيين الحقيقيين الذين فجروا القنابل وقتلوا الأبرياء كانت محاكماتهم تسير بشكل بطيء للغاية. فمن الضروري تخصيص دوائر خاصة لسرعة الفصل في قضايا الإرهاب كخطوة أساسية لردع الإرهابيين.

ثالثاً: إجراءات العدالة الاجتماعية

في تلك الفترة كان بعض المصريين يتمتعون بثروات طائلة تضعهم في مصاف أكبر الأثرياء في العالم، وفي الوقت نفسه كان نصف المصريين على الأقل يعيش تحت مستوى الفقر وينفق على أسرته أقل من دولار واحد يومياً. ويكفي أن نعلم ان 60 في المئة من المصريين كانوا يعيشون بدون صرف صحي، وأن واحداً من ثلاثة من سكان القاهرة كان يعيش في العشوائيات. هذا التفاوت الفاحش بين الفقراء والأغنياء كان من أسباب الثورة ولم تعالجه الحكومات التي أعقبتها، ويرى المتابعون ان السيسي كان يتحتم عليه تطبيق إجراءات فورية لتحقيق العدالة الاجتماعية مثل تطبيق ضرائب تصاعدية على الأغنياء، ورفع الدعم عن الغاز والكهرباء والمياه بالنسبة للمصانع التي تبيع منتجاتها بالسعر العالمي، وربط الحد الأدنى للأجور بالحد الأقصى في قطاع الحكومة، والاستغناء عن آلاف المستشارين في الوزارات المختلفة الذين يقبضون ملايين الجنيهات من دون عمل حقيقي، وإلغاء الصناديق الخاصة، وهي صناديق شبه سرية يستولي بها كبار المسؤولين على المال العام بعيدا عن رقابة القانون. هذه الإجراءات كان من شأنها أن توفر للدولة موارد جديدة تستطيع أن تكفل بها حياة إنسانية لملايين الفقراء، وكان ذلك كفيلا بالقضاء على التوتر الاجتماعي الذي راح يتجلى في حركة إضرابات شملت قطاعات عريضة من المجتمع.

رابعاً: تطبيق ميثاق الشرف الإعلامي

بعد الثورة أنشأ كبار الأثرياء، من فلول نظام مبارك، وسائل إعلامية ضخمة ومؤثرة.. وبعد سقوط حكم «الاخوان» شنت فضائيات «الفلول» حرباً شرسة على الثورة واعتبرتها مؤامرة، كما اتهمت شباب الثورة بالخيانة، وتحول عملاء أمن الدولة في الإعلام الى نجوم يتقاضون ملايين الجنيهات ويصنعون برامج تلفزيونية مخصصة للتشهير بالثوريين، وقد تعدت الحملة ضد الثورة كل حدود الأخلاق والقانون، فبدأ الإعلاميون المخبرون يذيعون مكالمات لبعض شباب الثورة تكشف عن أسرار شخصية لهم، مما يُعدُّ انتهاكاً للدستور الذي أكد على حرمة الحياة الخاصة وجرّم التنصت من دون إذن من النيابة. وقد أدان هذه الحملة كبار المسؤولين، لكن الدولة نفسها لم تفعل شيئاً لإيقافها، ما أعطى انطباعاً بأنها راضية عنها أو أن «فلول» مبارك أقوى من الدولة ذاتها. كان تشويه الثورة خطوة ضرورية حتى يحافظ «الفلول» على مصالحهم ويعودوا الى الحكم من جديد. وهكذا فإن شبان الثورة، أشجع وأنبل من في مصر، الذين واجهوا الموت وأصيب وقتل منهم عشرات الألوف من أجل تحقيق العدل والحرية لكل المصريين، أصبحوا يتلقون اتهامات الخيانة بواسطة بعض المنافقين الذين كان منتهى أملهم أن يعملوا «شماشرجية» لجمال مبارك وخدماً مطيعين لوالدته سوزان. مع استمرار حملات التشهير والاعتقالات كان من الطبيعي أن يتخذ شباب الثورة موقفاً ضد الحكومة الانتقالية ويتهمونها بأنها تنتمي للثورة المضادة. من هنا فإن تطبيق ميثاق الشرف الإعلامي وإيقاف تلك الحملات الظالمة ضد الثورة كان خطوة مهمة لاستعادة ثقة شباب الثورة لكي يساندوا الدولة في حربها ضد الإرهاب.

خامساً: تطبيق العدالة الانتقالية

على مدى ثلاث سنوات من الثورة تم قتل آلاف المصريين في عهد مبارك والمجلس العسكري و«الاخوان»، وفي أعقاب كل مذبحة كانت الروايات تتعدد والاتهامات تتوزع بين أطراف مختلفة. أثناء بعض المذابح رأى المصريون بأعينهم الضباط يقتلون المتظاهرين ويدهسونهم بالمدرعات، ومع ذلك فإن شخصاً واحداً لم يُحاسَب على جرائمه. ضباط الشرطة الذين اتهموا بقتل المتظاهرين حصلوا على أحكام بالبراءة، وكثيرون منهم تمت ترقيتهم الى رتب أعلى، ما ترك غضباً ومرارة لدى أهالي الشهداء والمصابين. إن تطبيق نظام للعدالة الانتقالية كان خطوة ضرورية يتم خلالها تشكيل لجان قضائية مستقلة عن القضاء العادي تتولى التحقيق من جديد في كل المذابح التي تعرض لها المصريون، والكشف عن قتلة المتظاهرين وبعد ذلك يكون الاختيار لأهالي الضحايا إما العفو عن القتلة مقابل تعويضات أو تقديمهم للمحاكمة الجنائية طبقاً للأدلة الجديدة. توقع المؤرخون من المشير السيسي أن يدرك أن المجتمع لن يهدأ أبداً إلا بتحقيق القصاص للشهداء وبالتالي فإن العدالة الانتقالية شرط اساسي للقضاء على الإرهاب.

سادساً: انتخابات ديموقراطية نزيهة

مع اقتراب ترشح المشير السيسي لمنصب رئيس الجمهورية ظهر ترزية القوانين، الذين طالما قاموا بتفصيل القوانين وفقاً لرغبات مبارك وولده، واستعادوا نشاطهم، فقاموا بتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات، فأصبح المرشحون للرئاسة لا يستطيعون الطعن على قرارات اللجنة إلا أمامها، لتكون هي الخصم والحكم، الأمر الذي ينافي أبسط قواعد العدالة. وقد رفض مجلس الدولة مبدأ التحصين لأنه يشكل مخالفة صريحة للدستور، إلا أن الحكومة أصرّت على التحصين وأصدرت قانوناً للانتخابات يستحيل تطبيقه بشكل عادل على المرشحين جميعاً، ما أعطى انطباعاً بأن الانتخابات التي ستوصل المشير السيسي الى رئاسة الجمهورية ستكون نسخة أخرى من استفتاءات مبارك المزورة التي حكم بها البلاد ثلاثين عاماً. لاحظ المؤرخون أن الدعاية للمشير السيسي تستعمل الطرق نفسها التي كان مبارك يستعملها، ولاحظوا أن فلول نظام مبارك يؤيدون ترشح السيسي بكل قوتهم وينفقون الملايين للدعاية له، وذلك لأنهم يعتقدون أن السيسي سيكون امتداداً لحكم مبارك، وبالتالي سيفلتون من المحاسبة على الأراضي والأموال التي نهبوها من الشعب.
فهل يقف المشير السيسي مع الثورة أو ضدها؟. هل يحرص السيسي على تحقيق أهداف الثورة أم أنه يعتبرها مؤامرة كما صرح قائده السابق المشير طنطاوي؟
الديموقراطية هي الحل

صحيفة المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى