إذا صدق الأوروبيون.. إسرائيل في ورطة (عامر راشد)

 


عامر راشد


يتردد في تل أبيب أن الاتحاد الأوروبي بصدد اتخاذ إجراءات سياسية، بتأييد خطوات للسلطة الفلسطينية، إذا لم توقف حكومة نتنياهو الاستيطان في القدس الشرقية، الذي يعطل مساعي استئناف العملية التفاوضية، وهو ما قد يشكل خروجاً على السياسات التقليدية الأوروبية الغربية الداعمة لإسرائيل، ويضع الأخيرة في ورطة.
تتدارس الحكومة الإسرائيلية رسالة أوروبية شديدة اللهجة، نقلها لها عدد من عواصم القرار في الاتحاد الأوروبي، مفادها أن دول الاتحاد ستدعم مساعي الفلسطينيين في الانضمام إلى عضوية المنظمات الدولية المختصة التابعة للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إذا فشلت جهود إحياء العملية التفاوضية على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي كنتيجة لاستمرار الأعمال الاستيطانية الإسرائيلية في القدس الشرقية، والكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الفلسطينية.
صحيفة (معاريف) الإسرائيلية نقلت، في 6/6/2013، عن موظفين كبار في حكومة نتنياهو، أن خلفية التهديد تعود إلى الإحساس في قسم من الدول الأوروبية، بأن الخطوات الأخيرة لحكومة إسرائيل، ولاسيما المضي قدماً في مخططات لبناء مئات الوحدات الاستيطانية في مستوطنات (رموت) و(غيلو) في شرقي القدس، تمس بفرص تقدم المسيرة السلمية، وتقوض مساعي وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وقد أوضح الأوروبيون أن استمرار هذه السياسة سيمس بدعم الاتحاد لإسرائيل.
وأضافت المصادر، حسب الصحيفة ذاتها، أن الدبلوماسيين الأوروبيين حذَّروا المسؤولين الإسرائيليين، من أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيستأنف الحملة الفلسطينية للحصول على اعتراف في الأمم المتحدة، والانضمام إلى مؤسسات المنظمة الدولية ومحكمة لاهاي، ورفع شكاوى ضد إسرائيل، إذا لم يتوقف البناء في القدس الشرقية والضفة الفلسطينية. وهدَّد الدبلوماسيون بأن دول الاتحاد الأوروبي ستصعد مساعيها لتأشير البضائع المنتجة في المستوطنات، بينما تتعاظم وتتسع الحملات الشعبية في البلدان الأوروبية لمقاطعة المنتجات الزراعية للمستوطنات، مصحوبة بحملات لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية الداعمة للاحتلال.
وأشار الدبلوماسيون الأوروبيون، في الرسالة التي أوصلوها لمسؤولين إسرائيليين، إلى أن الرئيس الفلسطيني تعهَّد للوزير كيري، بإرجاء الخطوات الفلسطينية في الأمم المتحدة حتى استنفاد المساعي الأميركية لاستئناف المسيرة السلمية، بالتوازي مع تعهد بنيامين نتنياهو بكبح جماح البناء في المستوطنات، ولكن نتنياهو لا يفي بتعهده، وبالتالي هو من سيتحمل نتيجة إفشال المساعي الأميركية.
تزامناً مع الرسالة الأوروبية، أرسل وزير الخارجية الأميركي رسالة غير مباشرة لائتلاف حكومة نتنياهو، من خلال كلمته أمام المؤتمر السنوي لـ"لهيئة اليهودية الأميركية"، الذي عقد في مطلع الأسبوع الماضي في واشنطن، بتوجيه انتقاد للقيادة الإسرائيلية، وتذكير الإسرائيليين بأن عليهم أن يعلموا أن المنعة لن تبقى إلى الأبد، وأن الوضع الراهن قد يتدهور إلى عنف عام "فمن يعتقد بأن الوضع الراهن في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يمكن أن يستمر، يعيش في الهذيان.."، وأردف كيري: "زمننا آخذ في النفاد، إذا لم ننجح هذه المرَّة، فيحتمل بالتأكيد ألا تكون فرصة أخرى. إذا استمر الوضع الراهن سيتعين على إسرائيل أن تختار بين كونها دولة يهودية وبين كونها ديمقراطية.."، لذلك، حسب كيري، يجب عدم تفويت الفرصة التي توفرها ثورات "الربيع العربي" لتسوية الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، قبل أن تجري رياح الثورات في اتجاه يعقد من إمكانيات الوصول إلى حلول سياسية.
الرد الإسرائيلي على الرسالة الأوروبية وأقوال كيري وصفته صحيفة (معاريف)، 5/6/2013، بـ"قنبلة سياسية"، فجَّرها رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" – المخابرات –  يورام كوهين أمام أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، بإدعائه أن "رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن لا يؤمن حقاً باتفاق سلام مع إسرائيل.."، وتأكيده أنه "في الطرف الفلسطيني يوجد انخفاض مستمر في الثقة في أن تجري في المنطقة أي مسيرة سياسية ايجابية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي". وأقر كوهين بأن عقدة استئناف المفاوضات تكمن في أن "نقطة البدء بالنسبة للحكومة الإسرائيلية الحالية في المفاوضات يجب الا تقترب مما جرى الحديث فيه سابقاً مع أولمرت، ولهذا فمن ناحية أبو مازن لا يمكنه أن يكسب شيئاً من دخوله إلى مفاوضات مع إسرائيل، لأن الدخول إلى المفاوضات في نقطة كهذه هو أمر لا يريد أبو مازن أن يبدأه، لأنه لا يمكنه إلا أن يخسر من ذلك..".
الطريف في الأمر، كما أوردت الصحيفة، أن كل ممثلي الأحزاب الإسرائيلية، من اليمين المتطرف إلى اليسار، وافقوا كوهين في أن ليس للفلسطينيين مصلحة في العودة إلى طاولة المفاوضات، وشذَّت عن الإجماع رئيسة حزب (ميرتس) اليساري النائبة زهافا غلئون بتعقيبها على كوهين بالقول: "رأينا مؤخراً فيلماً فيه ستة رؤساء مخابرات يشرحون لماذا من الحيوي الوصول إلى تسوية سلمية.. أتساءل هل سنسمع أقوالاً مشابهة من رئيس المخابرات الحالي، أيضاً، بعد أن يسرَّح من الخدمة. أقواله تدل أكثر على سلوك رئيس الوزراء في الموضوع الفلسطيني، مما تدل على سلوكه هو في منصبه كرئيس للمخابرات".
إلا أن بعض الأوساط الإعلامية الإسرائيلية، أخذت الرسالة الأوروبية والرسالة غير المباشرة لوزير الخارجية الأميركي على محمل الجد، ووجهت انتقادات لاذعة لحكومة نتنياهو. أعنفها في افتتاحية صحيفة (هآرتس)، 5/6/2013، جاء فيها: "إن السياسة الشوهاء التي تبنتها حكومة إسرائيل، في أن المفاوضات ليست بينها وبين الفلسطينيين، بل بينها وبين الإدارة الأميركية، تدل على أنها بالفعل تهذي. فحسب هذا النهج، كل المفاوضات لا تأتي إلا لإرضاء الصديقة الأخيرة لإسرائيل. وعندما يقل الضغط الأميركي ويرفع وزير الخارجية الأميركي يديه، يمر الخطر الذي في تدهور العلاقات، ولا تعود حاجة إلى المفاوضات".
وزادت (هآرتس) في افتتاحيتها: "إن الوساطة الأميركية ليست الفرصة الأخيرة، ولكن هذه فرصة في ظروف مريحة. عندما تكون الضفة لا تزال هادئة، والسلطة الفلسطينية لم تستأنف بعد حملتها للاعتراف بدولة فلسطينية، والدول العربية مستعدة لتأييد كل حل مرن، والدول العالمية لا تزال لم تفرض مقاطعة رسمية على إسرائيل. إن حكومة تتجاهل هذه الظروف والجهد الأميركي، تعرض مواطنيها للخطر".
ربما ظروف مريحة بالنسبة لإسرائيل في قراءة مبتسرة للواقع القائم ومن زاوية تراهن على جموده، ستبدأ بالتغير إذا ما نفَّذ الأوروبيون تهديدهم بالتضييق على الاستيطان الإسرائيلي، ودعموا التوجهات الفلسطينية للانضمام إلى مؤسسات الأمم المتحدة المختصة ومحكمة لاهاي، عندها ستكون إسرائيل في ورطة، لكن هل يصدق الأوربيون هذه المرَّة ويقلعون عن سياسات الموافقة الصامتة على الأعمال الاستيطانية الإسرائيلية؟
وبصرف النظر عن صدق الأوروبيين؛ إن الهدوء لن يستمر طويلاً في الضفة الفلسطينية؛ إذا تواصل الاستيطان الإسرائيلي، ولن تبقى "مبادرة السلام العربية" ملقاة على قارعة طريق الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، وهذا ما يدركه الأوروبيون والأميركيون، وكل المجتمع الدولي.

وكالة أنباء موسكو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى