لا يبدو السؤال الأكثر حضوراً اليوم لدى صانع القرار في تل أبيب، مرتبطاً بأصل قرار التنفيذ لعملية برية في مدينة رفح، بل بما إذا كانت نتيجة هكذا عملية ستأتي مشابهة لما أسفرت عنه عمليتا مدينتَي غزة وخانيونس.
إذ ماذا لو تمكّنت حركة «حماس» من الصمود في رفح أيضاً؟ وما هي الخطوة التي ستلي عندذاك لتليين موقف الأخيرة. حين لا تعود ثمّة خطوات أخرى ذات جدوى فعلية يمكن الرهان عليها، إسرائيليّاً؟
يضاف إلى ما تقدّم. أنه لم تتبلور، إلى الآن، المقدّمات الضرورية لعملية برية في رفح. حيث لم تستطع إسرائيل تجاوز كلّ العقبات التي تحول دون عملية من هذا النوع، بما يشمل معارضة الولايات المتحدة ومصر. كما وجزءاً من التركيبة الإسرائيلية الداخلية التي تؤيّد عقد صفقة لإطلاق سراح الأسرى. وإنْ كان الثمن تسوية تتضمّن تنازلات إسرائيلية، من بينها وقف إطلاق النار تحت عنوان هدن طويلة الأمد.
على أن صانع القرار في تل أبيب يواجه معضلة مركّبة. ترتبط بالنتائج المنظورة للحرب في الوعي العام لدى الجانبَين، الإسرائيلي والفلسطيني. ذلك أن أيّ تسوية من التسويات المعروضة على إسرائيل، تعني عمليّاً استمرار حكم «حماس» في قطاع غزة. كما ودفع أثمان باهظة جداً لقاء إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
إسرائيل تتمسّك بـ«الحرب للحرب»:
وبالتالي، فإن استمرار الحرب، انطلاقاً من الرهان على إمكانية تحقيق نتيجة عبرها، يتحوّل إلى مطلب لذاته. كما أن ضغط المصالح الشخصية والأيديولوجية لدى صانع القرار الإسرائيلي، وتحديداً لدى بنيامين نتنياهو وشركائه من أقصى اليمين المتطرّف. تضغط بدورها للاستمرار في رفض الصفقات. كما والتمسّك بالخيارات المتطرّفة. بما يشمل المضيّ في الحرب إلى حين تحقيق الحدّ الأدنى من أهدافها. علماً أن مواصلة القتال تحوّلت إلى «عامل قضم» للنجاحات التكتيكية التي حقّقتها إسرائيل إلى الآن. سواءً على مستوى المشهد الميداني، أو على مستوى ثقة الجمهور وتعاضد الحلفاء الإقليميين والدوليين واصطفافهم إلى جانبها.
وفي انتظار ما سيؤول إليه قرارها، فالواضح أنه باتت لدى إسرائيل، في الأسبوع الأخير، ورقة ضغط مع قدْر من الصدقية. عنوانها أنها معنية وتريد وتخطّط. بل هي على وشك تنفيذ عملية برية في رفح وجوارها. على غرار ما فعلته في شمال القطاع ووسطه، في مدينتَي غزة وخانيونس.
وهي تحاول تعزيز هذه الورقة بتحرّكات ميدانية واستعدادات عملياتية أيضا. توحي بأن الجيش الإسرائيلي بات جاهزاً لبدء الهجوم البرّي في حال صدرت الأوامر إليه من المؤسّسة السياسية. الأمر الذي يتقوّى أيضاً عبر المواقف والتصريحات التي تصدر من تل أبيب وواشنطن وبعض عواصم الإقليم.
العملية البرية في رفح أضحت وشيكة
وهكذا، بات عنوان المرحلة الحالية أن العملية البرية في رفح أضحت وشيكة، ما لم تتنازل حركة «حماس» تفاوضيّاً.
على أن ذلك لا يعني أن ثمة اتفاقاً بين الوسطاء وإسرائيل على تظهير «التوثّب» الإسرائيلي هذا. كما ولا أنه ليس ثمة خلاف بين إسرائيل وأصدقائها من الوسطاء. بل أن المدة التي تفصل اتخاذ قرار البدء بمهاجمة رفح، مخصّصة لتفعيل الضغوط ضدّ «حماس» وموقفها التفاوضي غير المتزعزع.
وما يزيد الرهان على إمكان تلقّي نتيجة إيجابية من جراء هذه الضغوط، إمكانية استعادة جزء من الأسرى الإسرائيليين أحياء، عبر العملية العسكرية، مثلما حدث في رفح أمس.
وإذا كان هذا هو الحال، فمن الممكن القول إن تنفيذ عملية ضد المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، لن يأتي إلّا بعد أن تستنفد ورقة التهويل بهكذا عملية نفسها، وهو ما لم يبدُ أنه تحقّق حتى الآن.
صحيفة الأخبار اللبنانية