كأنها دراما (حرب معلنة)، وكما سربت الصحف الأمريكية عن مصادر استخبارية، فقد جاء الرد الإيراني مطابقا لما نشره هذا الإعلام. موجات كثيفة من المسيرات والصواريخ تطلق من إيران باتجاه إسرائيل، وسهر العالم ليلة السبت الأحد منتظرا وصول الضربة إلى إسرائيل، وتابع الناس تفاصيل ما يجري على الهواء مباشرة. بالفعل هي دراما حرب معلنة. لا مفاجأة فيها.
أعلنت إيران أن ردها حقق نجاحا اكبر من المتوقع، و احتفلت المدن الإيرانية بهذا النجاح كما نقلت الشاشات. بالمقابل قال الجيش الإسرائيلي انه أسقط 99% من المسيرات والصواريخ الإيرانية. هكذا إيران ردت وحفظت مصداقيتها، واسرائيل تصدت وأدعت ردعها للضربة الإيرانية. وبهذه النتيجة فإن الطرفان انتصرا. ولكن ما زال هناك التخوف من رد اسرائيلي قائما لأن فيه انزلاق أكثر نحو هاوية حرب واسعة كما قال السيد حسن نصر الله في خطابه يوم القدس.
هناك من يرى أن الرد الإيراني جاء (مضبوطاً ودقيقاً) ورغم انطلاقه من إيران إلا أنه في مساره تجنب المرور فوق دول الخليج. وهذا نتيجة التواصل والتنسيق السعودي الإيراني. كما أن المسيرات والصواريخ الإيرانية لم تستهدف مرافق اقتصادية إسرائيلية هامة كما قال قائد الحرس الثوري لإبقاء الرد (رسالة تحذير) وهذا نتيجة التواصل الأمريكي الإيراني غير المباشر. وهذا أيضا ما جعل إسرائيل تقول إن أضراره بسيطة. وهكذا فإن الضبط والدقة في الرد الإيراني جاء نتيجة عاملين: الأول هو أن (إيران تريد الرد، ولا تريد حربا شاملة). والثاني أن (أمريكا لا تريد حربا إقليمية شاملة)، وبالتالي فإنها تتفاوض مع إيران بشكل غير مباشر والنتيجة كانت (رداً مضبوطاً ودقيقاً) نسقته وضبطته أمريكا.
في الأسبوع الذي سبق الرد الإيراني حفل الإعلام بدراما التصريحات المتصارعة بين إيران وإسرائيل. وتابع العالم تسريبات التفاوض الأمريكي الإيراني غير المباشر. وإذا أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار مع طريقة تنفيذ ونتائج الرد الإيراني، نجد أن إيران قبل الرد جعلت الغرب يقف على ساق واحدة تخوفا من ردها، وهذا ما منحها الأحساس بـ (هيبة قوتها)، لذلك قال أحد المسؤولين الإيرانيين (حققنا أهدافنا من الرد قبل أن نرد). وأثناء الرد اشتركت القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية في التصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية، ووقفت مع إسرائيل فعلاً لا قولاً. ثم أكد أيضا لنتنياهو انه (يكفي إسرائيل انتصارها بدفاعها) بمقابل الضربة الإيرانية.
إن المدقق بما جرى ليلة السبت الأحد، يستطيع أن يتلمس ملامح خريطة النفوذ التي تتشكل في المنطقة. إيران موجودة وقادرة على الرد. إسرائيل استعادت قوة تحالفها مع أمريكا والغرب. وأمريكا صاحبة القدرة على الضبط والتنسيق وإدارة الصراع وفق مصالحها، وهي تريد للمنطقة أن تبقى متفجرة متصارعة دون الوصول لحرب شاملة، وذلك استنزاف وتكسير للمنطقة العربية خاصة، ولتكريس قوة إسرائيل تجاه المنطقة مع الإبقاء على شيء من النفوذ الإيراني العسكري لطهران، مع ضمان بقاء الدولة الإيرانية ضعيفة ومحاصرة.
وكما هو واضح لا وجود ولا احترام للقوى العربية معبراً عنها بدولها وشعوبها …. فإلى متى يغيب الفعل العربي عن إدارة وتنسيق وتشكيل الهوية الإستراتيجية لمنطقتهم؟؟؟؟ وإلى متى سيترك العرب مصير إقليمهم ووطنهم لنفوذ قوة ونفوذ الدول الأخرى؟؟؟
بوابة الشرق الأوسط الجديدة