استعدادًا لحرب لبنان الثالثة

 

بحسب المُحلّلين والخبراء العسكريين في جيش الاحتلال، فإنّ إحدى المهام الرئيسيّة للقائد العّام الجديد للجيش الإسرائيليّ، الجنرال أفيف كوخافي، هو البحث عن الـ”حلّ السحريّ” لإلحاق الهزيمة بحزب الله اللبنانيّ، علمًا أنّه بات بنظر أقطاب تل أبيب، السياسيين والأمنيين، جيشًا بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، والانتصار على حزب الله عسكريًا، يُشدّد الخبراء، يحمل في طياتّه الكثير من المعاني والدلالات، وفي مُقدّمتها العامِل النفسيّ، إذْ أنّ الإسرائيليين باتوا على قناعةٍ تامّةٍ بأنّ “جيشهم الذي لا يُقهَر” خسر في المعركة الإعلاميّة ضدّ الحزب، وأنّ الأخير تفوّق على ماكينة الدعاية الصهيونيّة في الحرب النفسيّة الشرسة التي تدور بين الطرفين، وأنّ الطريق باتت مُعبدّةً للمعركة في الميدان العسكريّ.

المُعضلِة التي تُواجِه إسرائيل هي صعبة وغيرُ قابلةٍ للحلّ، إذْ أنّه على المدى القريب والبعيد، لا يُمكِن لهذه الدولة أنْ تتنفّس الهواء الطلق، إذا جاز التعبير، وأكثر من 150 ألف صاروخ يُهدّدون كلّ بُقعةٍ فيها، أيْ أنّ صواريخ حزب الله، أصبحت تُشكّل تهديدًا إستراتيجيًا على الدولة المارِقة والمُعربدة، إذْ يُقّر أركان تل أبيب أنّه باستطاعة صواريخ المُقاومة ضرب أيّ منطقةٍ في الكيان، بما في ذلك مفاعِل ديمونا النوويّ.

واليوم، بعد الخطط المتواصِلة التي طوَّر فيها الجيش الإسرائيليّ قدراته العسكريّة ومفاهيمه العملانية، يعود في ظلّ قيادته الجديدة إلى بحث كيفية الانتصار في الحرب القادمة بصورةٍ واضحةٍ وغيرُ قابلةٍ للتأويل، وذلك بناءً على الأوامر التي أصدرها الجنرال كوخافي، الذي شدّدّ على أنّ الجيش يجب أنْ يجِد ما أسماه بـ”حلّ اللغز″، بواسطة البحث المُكثّف عن وصفة للانتصار، وفي هذا السياق، كشفت صحيفة (يسرائيل هايوم) العبريّة النقاب عن أنّ الجيش بدأ بورشة عمل، ستسمّر حتى نهاية تموز (يوليو) القادِم، في مُحاولة للتوصّل إلى وصفة الانتصار النهائيّ على حزب الله، بحسب المصادر الأمنيّة، التي تحدّثت للصحيفة الإسرائيليّة.

وشدّدّت الصحيفة على أنّ إقامة الورشة المذكورة تمّ إقرارها قبل دخول الجنرال كوخافي إلى مكتبه، ولأجلها أُقيمت طواقم في الجيش الإسرائيليّ لبحث الفجوات التي ينبغي معالجتها من أجل الوصول إلى انتصار، لكن المُشكلة الكبيرة التي يُواجهها الكيان تكمن في أنّه لا توجد وصفة سحريّة، بل إنّ عليه التعامل مع وقائع يقرّ بها كبار القادة في تل أبيب، وهو ما دفع أعضاء هيئة الأركان وضباط برتبة عميد، للبحث معًا في مسألة السعي إلى انتصار في ظل تغيّر العدو والتطورات التكنولوجية، على حدّ تعبير المصادر الأمنيّة الرفيعة في تل أبيب للصحيفة العبريّة.

بالإضافة إلى ذلك، يكشف الإعلان المذكور عن ورشة البحث عن وصفة للنصر، عن عمق الأزمة التي يعيشها جيش الاحتلال في كلّ ما يتعلّق بحزب الله، وعلى الرغم من أنّ الجيش الإسرائيليّ يقوم بالإعلان عن مثل هذه الورش، لجهة كونه جيشًا نظاميًا وتابعًا لكيان دولتي، ويتمتّع بتفوّقٍ عسكريٍّ وتكنولوجيٍّ، إنْ كان من الناحيّة الكميّة أوْ النوعيّة، بيد أنّ ورش المقاومة التي لا تعلن عنها، لكونها مقاومة تعتمد السرية وعلى المفاجآت، تظهر نتائجها من خلال ردود الفعل الإسرائيليّة، ومن خلال نتائج هذه المعادلات التي تجلت مفاعيلها في أكثر من محطةٍ مفصليّةٍ.

عُلاوةً على ما ذُكر آنفًا، يدفع الإعلان عن ورشة قيادة الجيش الإسرائيليّ الجديدة إلى التساؤل عن مصير مفاعيل ونتائج الورش السابقة، وتشدّقات قادته التي ملأت وسائل الإعلام، والحقيقة أنّ جيش الاحتلال بلغ مستويات من التطور التكنولوجيّ والعسكريّ لم يشهدها طوال تاريخه، لكن ما يُفسّر هذا التجديد الدائم، بحيث يبدو العدو كما لو أنّه يبدأ من جديد، هو حضور التطوّر الذي يشهده حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في قطاع غزة، لدى المستويين السياسي والعسكري في تل أبيب.

ومُضافًا إلى ما سُقنا أعلاه، فإنّ الترجمة العملية لذلك، أنّ تطور القدرات والمفاهيم العملانية لحزب الله تحديدًا، أدى إلى تقزيم مفاعيل الورش والتطوّر الذي نجح جيش الاحتلال في إنجازه، لذلك مع كلّ محطةٍ، كانت قيادة الجيش تكتشف أنّ النسخة الجديدة للجيش قد تكون ملائمةً لمواجهةٍ بمواصفاتٍ محدَّدةٍ لحزب الله بنسخته السابقة، لكنّها لم تعُد ملائمةً للتطورّات التي نجح حزب الله في إدخالها واكتسابها في مجالات القدرة والمفاهيم العملانية كافةً، ولا مع المستجدات التي نتجت عن فشل رهاناتٍ وخياراتٍ إستراتيجيّةٍ في الساحة السوريّة، علمًا أنّ قيادة كيان الاحتلال تُقّر وبالبُنط العريض أنّ حزب الله في سوريّة راكم الخبرات والقدرات بشكلٍ كبيرٍ، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ محور المُمانعة المُكوّن من حزب الله، سوريّة وإيران، وحماس في الجنوب، قد اتخذّ قرارًا بالردّ على الاعتداءات الإسرائيليّة في الأراضي السوريّة، وهو بحدّ ذاته اعترافًا بأنّ هذا المحور لن يمُرّ بعد اليوم مرّ الكرام على الاعتداءات الإسرائيليّة، الأمر الذي يرفع منسوب التوتّر لدى أقطاب كيان الاحتلال، وأكثر من ذلك في صفوف مُستوطنيه.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى