رغم انخراط جهابذة الدبلوماسية وخبراء التحايل من المخابرات الأمريكية في السعي لإيجاد حلول تزيل ما يعرقل الوصول إلى اتفاق وقف النار واستعادة الرهائن في غزة، إلا أن الاستعصاء مازال يمنع التقدم باتجاه استعادة الهدوء وإدخال المساعدات وتحرير الرهائن، ويمنع أيضا طرق باب اليوم التالي في غزة، فما سبب هذا الاستعصاء الذي يكلف أهل غزة أمنهم وعيشهم وحياتهم ومستقبل بلدهم وأولادهم؟؟؟؟
أول أسباب عدم انسياب مسار التفاوض إلى نتائج هو أن الوسطاء (أمريكا- مصر- قطر) يهندسون الحلول كمعالجات للحالة الراهنة المتمثلة بالعمليات التدميرية الإسرائيلية لغزة من جهة، ولاستمرار احتجاز حماس للرهائن من جهة مواجهة. ومقابل الأساس الراهن لمسعى الوسطاء، فإن الطرفين يهندسون مواقفهم وردودهم بناء على (الرؤية الأيديولوجية) لكل منهما. حماس تنطلق من ضرورة أن يؤدي أي اتفاق ناتج عن التفاوض إلى استمرارها في السيطرة على غزة وحكمها أو إدارتها ولو بشكل غير مباشر، لأن في ذلك تجسيدا لانتصارها بالصمود في وجه إسرائيل، بعد إذلاله في 7 تشرين، وهو الصمود والإنجاز الذي تريد حماس استخدامه كقاعدة انطلاق جديدة في حربها لإزالة إسرائيل واستعادة فلسطين من النهر إلى البحر.
من الجهة المقابلة فإن إسرائيل، وليس نتنياهو وحده، بل إسرائيل بغالبيتها اليمينية تنطلق في التعامل مع التفاوض بافتراض أنها انتصرت في القضاء على قوة حماس، وتستكمل حرب الإبادة ضد الفلسطينيين وتعمل على أن يكون من الضرورة أن يؤدي التفاوض لاستمرار سيطرتها الكاملة على غزة كبوابة لتوسيع حربها إلى الضفة واستكمال مشروعها في تهجير أهلها، واستكمال تحقيق (صفاء الدولة اليهودية) التي يعملون على تكريسها بنفي أي إمكانية لقيام أي كيان فلسطيني سياسي.
إذاً ورغم جهود الوسطاء فإن السياسة تغيب عن المفاوضات وتنتفي فكرة المساومات وتبادل التنازلات لحل الأزمة. ويحضر بدلا من ذلك الأيديولوجي المعبر عنه كعقيدة دينية تعصبية. وهكذا تحضر الخرافة ويغيب الواقع. يغيب عن إسرائيل حقيقة استحالة إلغاء الشعب الفلسطيني بقتله أو تهجيره، وبالتالي تعمى تل أبيب عن حقيقة استحالة سكوت هذا الشعب عن المطالبة بحقه في إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود السبعة وستين. كما يغيب عن حماس الآن استحالة القضاء على إسرائيل. والأهم يغيب عنها استحالة استمرار تحمل الشعب الفلسطيني في غزة لجرائم العدو الهمجية.
ومع لاعقلانية اعتماد الأيديولوجية كمسار ديني في تقرير مصير المفاوضات، يصبح من العقلاني والمنطقي والضروري في العودة إلى الواقع وإلى الحقائق، واعتماد السياسة والبحث عن تسوية يتنازل فيها الطرفان بشكل يرضي كل منهما، وتحقق وقفاً لإطلاق النار واستعادة الرهائن، وتؤسس لليوم التالي في غزة وفلسطين.
على الطرفين إسرائيل وحماس أن يفهما جيدا أن مسار صراع الأيديولوجية الدينية لا يؤدي إلا إلى الدمار والخراب المستدام. وأن العودة إلى الواقع والسياسة القائمة على الحقائق هي الطريق لحل الأزمة وإيقاف الحرب. وعلى إسرائيل أن تفهم أن لا أمن ولا استقرار لشعبها دون إعطاء الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته الوطنية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا فقط ما يلغي استعصاء المفاوضات وما يفكك انسداد التاريخ في المنطقة.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة