الإخوان وأميركا.. وسر أسرار “المعبد”!! (علاء حموده)

 

علاء حموده

 

"ليس مثيراً للدهشة، أن يخرج الرئيس مرسي في خطابه الأخير أمام مجلس الشورى ليعيد تكرار المكرر في الحديث عن احترام الاتفاقات الدولية والتي فيما يبدو ستبقى لازمة وكلاشيه طمأنينة سياسية لـ (كامب ديفيد واخواتها) في الخطاب السياسي المصري في عهد مرسي، بل وحديث عن عدم قبول تدخل الآخرين في الشأن المصري فيما يبدو النص المفقود في الخطاب الرئاسي هو دون توجيه الدعوة لهؤلاء الآخرين بالتدخل،".
قد لا يمتلك المرء سوى توخي الحيطة والحذر عند قراءة الشهادات والمراجعات الفكرية لقادة التنظيمات والاحزاب السياسية الذين خرجوا أو قل تمردوا وانشقوا عن تنظيماتهم، فقلما تجد بين سطور ما يكتبونه أدلة دامغة ومصادر موثقة تبرهن صدقية ما يسوقون من روايات حول أسرار ودهاليز تنظيماتهم السابقة، وحتى ان وجدت تلك الحقائق فإنها تبقى في حاجة لمزيد من البحث والتوثيق واخضاعها لمجريات الواقع المعاش، هذا اذا جرى الاتفاق على أن أصحاب تلك المراجعات والمذكرات احتلوا مراكز قيادية لفترات ليست بالقصيرة في تنظيماتهم السياسية تجعل فرضية تصفية الحسابات قائمة.
وفق هذا التقدير، وفي واقع اصبح فيه الإخوان المسلمون قوى فاعلة في المشهد السياسي الحاكم لمصر ودول عربية أخرى، فقد حاول المرء الفكاك من حبائل الاستسلام للعديد من تلك المذكرات والمراجعات الفكرية، وكان اخيرها وليس آخرها شهادة القيادي الاخواني السابق ثروت الخرباوي والتي صدرت مؤخرا في كتاب تحت عنوان "سر المعبد"، فرغم ما اعتمر به الكتاب من روايات مثيرة وصادمة من داخل كواليس الجماعة التي غادرها أو أجبر على مغادرتها في عام 2002، الا أن باب العلم بالشيء يبقى (وفقط) هو المدخل الرئيسي لتتبع بعض التفاصيل والمواقف التي أوردها المؤلف، خاصة اذا دار بعضها خلف الأبواب المغلقة وكان بعض أبطالها في عداد الأموات وخلت من الوثائق الداعمة والقاطعة لأي شك.
لا حيلة إذا سوى الاحتفاظ في زاوية مهجورة من العقل ببضع روايات منسوبة للمرشدين السابقين مصطفى مشهور ومأمون الهضيبي تحدثا فيها عن الاقباط ونقابة المحامين المصريين بنهج استعلائي تصادمي وصل لمستوى التكفير والتحقير، أو تلك التي اعتبر الهضيبي فيها الاغتيالات التي قام بها التنظيم الخاص للجماعة قبل ثورة يوليو 1952 تقربا إلى الله، أو وصل الأمر إلى رواية ساقها المؤلف حول واقعة تزوير فجة شهدتها الانتخابات الداخلية للجماعة لصالح نجل المرشد الأول ومؤسس الجماعة حسن البنا.
لكن، وللحق، فإن ما تحدث عنه المؤلف حول دهاليز علاقات الاخوان بالولايات المتحدة قد استحق وقفة جادة مني على الأقل، في ضوء موقف عابر جمعني بأحد الدبلوماسيين الأميركيين 2006 حاول خلاله بمكر مفضوح اختطاف الحوار بيننا والولوج به إلى استقصاء رأيي الشخصي ـ كصحفي مصري ـ حول الدور المستقبلي لجماعة الاخوان المسلمين وهو ما فطنت له جيدا وكان ردي بنفس درجة رمادية وغموض محاولته الاستقصائية المراوغة، على أية حال فقد روى المؤلف في كتابه مخرجا شرعيا ساقه احد اعضاء مكتب ارشاد جماعة الاخوان السابقين (ينتمي إلى مسقط رأسي طنطا بدلتا مصر) حول جواز الاستعانة بمن وصفه بـ (الكافر) في سبيل الوصول للحق، وبرر ذلك باستعانة الرسول الكريم (ص) بكافر ليدله على الأثر وهو في هجرته إلى المدينة (!!).
وعلى ما في هذا القياس الاخواني من عوار وتوظيف ممجوج للدين يتلاعب بظروف الزمان والمكان والموقف النبوي، لكن اللافت ما كشفه القيادي الإخواني السابق من حوارات ولقاءات جرت بين الناشط الحقوقي الدكتور سعد الدين ابراهيم والمعروف بدوائر اتصالاته الواسعة مع الغرب وبين قيادات بالجماعة خلف قضبان سجون مبارك وخارجها، والتي دارت في مجملها حول الصورة الذهنية للغرب وأميركا عن جماعة الاخوان المسلمين، والاسلوب الأمثل لفتح قناة اتصال الإخوان بالغرب واميركا، وحسب الكاتب فإن الدكتور سعد يبذل جهده في هذا الأمر.
ولعل من يمن الطالع ألا ترهق المرء الأحداث بحثا عن توثيق تلك المرحلة التاريخية المهمة والتي تشكل أصداؤها اليوم واقعا جديدا ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي بأسره، فقد خرجت تصريحات واضحة من مهندس تلك الاتصالات الدكتور سعد الدين ابراهيم لصحيفة (الوطن) المصرية كشف في أسطرها عن أن "اثنين من قادة الاخوان كانا معه في السجن وكانا جزءًا من الحوارات السياسية التي فتحوها مع الأوروبيين منذ بداية عام 2003 في النادي السويسري وحدث ذلك 3 مرات".
وحسب رواية سعد الدين ابراهيم فإن اللقاءات مع الأميركيين تأخرت قليلاً لأن السفير الأميركي بالقاهرة لم يستطع الحصول على تفويض من واشنطن للسماح له بمقابلتهم، فقد كانت أحداث 11 سبتمبر ما زالت تؤثر على القرارات الأميركية، لكنه كان صديقًا للسفير البريطاني، الكندي، الاسترالي الذين يجتمعون بالإخوان، ثم يجلس السفير الأميركي معهم لمعرفة نتائج هذه الحوارات"، بل وكشف ابراهيم ايضا ان الاخوان اتصلوا من خلال قناته بالأميركيين بعد قيام ثورة الـ 25 من يناير وطلبوا تحديدًا الاتصال بكل من سيناتور جون كيرى (الحزب الديمقراطي) وسيناتور جون ماكين (الحزب الجمهوري) فهم يريدون فتح حوار مع التيارين.
ولان المقدمات التاريخية تؤدي إلى نتائج واقعية، ومع ذلك التناغم الكبير في الروايات والذي يصل إلى حد الانطباق، وغياب حجج اخوانية مقنعة تستطيع تكذيب أو دحض هكذا روايات، فقد يكون من العسير التشكيك في ما كشفته صحيفة واشنطن (بوست الاميركية) من كواليس للقاءات الدكتور عصام الحداد مساعد الرئيس مرسي للشؤون الخارجية مع مساعد الخارجية الأميركي مايكل بوزنر، بداية عام 2012 وعرض الحداد فيها دورا لمصر في ما يوصف بالتغيير الديمقراطي في شمال إفريقيا.
وينبغي أيضا اثبات عكس ما تكشف من تفاصيل خطيرة في واقعة موافقة الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي على وضع مجسات مراقبة في سيناء تدار بإشراف أميركي وأن هذه العملية دخلت بالفعل حيز التنفيذ، وان مرسي وافق على شروط واجراءات كان الرئيس المخلوع حسني مبارك يرفضها رغم تحالفه الوثيق مع الولايات المتحدة واسرائيل.
ليس مثيرا للدهشة، أن يخرج الرئيس مرسي في خطابه الأخير أمام مجلس الشورى ليعيد تكرار المكرر في الحديث عن احترام الاتفاقات الدولية والتي فيما يبدو ستبقى لازمة وكلاشيه طمأنينة سياسية لـ (كامب ديفيد واخواتها) في الخطاب السياسي المصري في عهد مرسي، بل وحديث عن عدم قبول تدخل الآخرين في الشأن المصري فيما يبدو النص المفقود في الخطاب الرئاسي هو دون توجيه الدعوة لهؤلاء الآخرين بالتدخل، لأن مرسي وجماعته فتحوا الباب على مصراعيه للأميركان لترسيخ تدخلاتهم.
ووصل الأمر مداه ليس فقط سماح الادارة الاخوانية بتركيب المجسات التنصتية الأميركية في سيناء بل وأيضا تسويق احد قادة الاخوان المسلمين لاقتراح يمهد لاختراق صهيوني لمصر تحت ستار عودة اليهود الذين خرجوا من مصر عقب ثورة الـ 23 من يوليو 1952 المجيدة، بما قد يجره هذا التصريح من ويلات مطالبة هؤلاء الصهاينة بتعويضات مالية فادحة مثلما حدث في قضية الأرمن وتركيا، أو عودة هؤلاء الذين كانوا جنودا في جيش الاحتلال وعملاء لاستخباراته بمشاريع وأحلام ومخططات تستهدف الأمن القومي المصري.
وما بين سر اسرار معبد الخرباوي حتى اقتراح عودة الصهاينة، يبقى الفهم حتى هذه اللحظة أن أداء النظام السياسي المصري في طريقه إلى تحول تاريخي من دور الحارس الأمين لمقدرات المستعمرة الاميركية في العصرين الساداتي والمباركي، إلى دور الكاهن الطيع المتبتل في معبد الامبراطورية الأميركية باستعداده الدائم لاطلاق البخور واقامة الصلوات دون حتى اغتسال من اسهال التنازلات التاريخية المجانية التي يقدمها.. واذا كان التمكين من كرسي الحكم هو ثمن هذا المشهد العبثي غير المسبوق .. فالقدر المتيقن من الحقيقة أن رسالة المصريين في الـ25 من يناير 2011 لم تصل بعد!!

صحيفة البديل المصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى