فن و ثقافة

الإذاعة السورية، وإذاعة لندن : واحدة تكاسر الزمن، والثانية تغلق أبوابها!

خاص

انطفأت إشارة البث في إذاعة لندن قبل أيام، والجميل في الأمر أن هيئة الإذاعة البريطانية الـ ( (BBCأقامت تظاهرة لهذه المسألة، حتى في آخر الكلمات التي أطلقها مذيعها عبر الأثير، وهو يودع العالم.

وهذا القرار خطير وبسيط في آن واحد، ولكنه ليس في معيار الإعلام العربي سوى خطوة ضمن الخطوات التي تخطوها وسائل الإعلام الصوتية في العالم، دون أن ينتبه الإعلاميون العرب، وأقصد هنا صانعي القرار الإعلامي، دون أن ينتبهوا إلى مسألة (الجدوى) من الاستمرار أو الإغلاق.

وهذه الأيام تحتفل إذاعة دمشق بالعيد السنوي لانطلاقتها، وقد أطلقتُ عليها في مقال لي قبل سنوات لقب (الإذاعة العجوز)، ولكي أكون منصفاً فأنا رافقتها من الداخل أكثر من أربعين عاما منذ أن ندبت إليها من أخبار التلفزيون لأكون محررا في أخبارها، أي أنني رافقتها أكثر من نصف عمرها، وأكثر من ثلثي عمري .

ومن قبل كنت أسمعها وأسجل على دفاتري ملاحظات عن برامجها، وأسماء مذيعيها، باعتبار أنني من متابعيها الدائمين، وربما لأنني من متابعي الراديو عبر سنوات عمري الأولى ، مع أبي.

هذه المرة سأطرح سؤالا فجّاً يقول : هل ستغلق إذاعة دمشق أبوابها ؟! وإذا أغلقت أبوابها، كما فعلت إذاعة لندن ، فكيف سنكتب تاريخها؟!

تذكرت الفنان الراحل تيسير السعدي، الذي قال لي في واحد من استيودهاتها إنه كان يدفع للضيوف من جيبه، كي لاينتظرون صرف المكافأة، وقد ذكر ذلك في سياق حديثه عن الحب الذي كان العاملون فيها يكنونه لهذه المؤسسة.

بل إن ذاكرة دمشق ، تذهب أبعد من ذلك، فكل التاريخ السياسي السوري المعاصر، كان مربوطا في الإذاعة ، إلى درجة أنني انتقدت أحد المحاضرين في إحدى المرات،عن إغفاله هذه النقطة في محاضرته، وقلت له أن أهم خطوة كانت في سياق الصراع على السلطة، كانت في الاستيلاء على الإذاعة، ويعرف كثيرون أن ضابطا من أحد ضباط أحد الانقلابات التي حصلت في سورية ، كان يقيم في الطابق الأول منها، لكي ينام مطمئنا على مفتاح السيطرة السياسية في (سورية/الانقلابات) .

وفي حرب تشرين ، كانت أغنية (خبطة قدمكم ع الأرض هدارة ) كلمة السر في انطلاقة الدفعات الأولى من الهجوم العسكري السوري لتحرير الأرض المحتلة في عام 1973 ، وهذا يعني أيضا أنها إذاعة تحمل تاريخ بلد، أما إذاعة لندن، فكانت إذاعة تحمل تاريخ (فرق تسد)  الاستعماري، حتى وإن كانت مهنية العاملين فيها مدرسة بحد ذاتها !

الحقيقة أنني أخاف على إذاعة دمشق، فالإذاعات كثيرة، وإذاعات الإف إم ، وإذاعات الانترنت ، والأقمار الصناعية تغزو آذاننا ، وكم من مرة تنقلت من محطة إلى محطة لأنني أريد أن أمضي الليل وحدي مع الإذاعات، فإذا بكل أنواع البث التي ترامت إلي لاتعجبني ، أما إذاعة دمشق ، فهي هويتي، نعم كما كانت إذاعة صوت العرب من القاهرة، وكما كانت إذاعة الشرق ألأوسط من القاهرة ..

وقد تستغربون أنني أتابع إذاعات الأردن ، والسعودية، ولبنان ، وغيرها ممن تصل عبر الموجات، والسؤال يهاجمني باستمرار : أين إذاعة دمشق الآن ؟!

إذاعة دمشق الآن عجوز فعلا تحتاج إلى (ووكر) لتمشي عليه، لكنها أصيلة ، تشبه كثيرا أماكن المدينة التي تعبق بالتاريخ، لكنها تعبت تماما، وأخاف عليها من مرض عضال ، يجعل القرار التي اتخذته إذاعة لندن، واردا في احتمالات القرار الإعلامي السوري!

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى