تحليلات سياسيةسلايد

الاستقرار الليبي المؤقت يتخلخل: عودة الصراعات الكامنة

الاستقرار الليبي المؤقت يتخلخل: عودة الصراعات الكامنة… فقدشهد جنوب العاصمة الليبية، طرابلس، مساء الثلاثاء الماضي، اشتباكات عنيفة أدّت إلى مقتل ما لا يقلّ عن ستة مواطنين، بعد نحو 48 ساعة فقط من اشتباكات فصائلية قتل على إثرها رئيس «إدارة دعم الاستقرار» الموالية لـ«المجلس الرئاسي»، عبد الغني الكيكي، الأمر الذي دفع رئيس حكومة «الوحدة»، عبد الحميد الدبيبة، إلى إصدار أمر بحلّ ما أَطلق عليها «قوات مسلّحة غير نظامية» في طرابلس ومحيطها.

الاستقرار الليبي المؤقت يتخلخل: عودة الصراعات الكامنة

ورغم تأكيد الداخلية الليبية، أول من أمس، الاستقرار الليبي في طرابلس. إلا أن الاشتباكات عادت لتتجدّد في ساعة متأخرة من اليوم نفسه، بين عناصر جماعتَي «قوات الردع»، والقوّة المعروفة بـ«اللواء 444» (المؤيّدة للدبيبة). والتي قتل خلالها مواطن واحد على الأقل، بحسب «الهلال الأحمر الليبي». وفيما تظلّ الأمور في طرابلس تحت سيطرةٍ نسبيّة. في ظلّ موقف شعبي رافض للتصعيد، تشير التطوّرات الأخيرة بوضوح إلى خطر تجدّد الصراع السياسي المترافق مع مواجهات عسكرية – بعد هدوء نسبي ملحوظ ظلّ سارياً منذ عام 2020 -. خصوصاً أن «المجلس الرئاسي» أعلن، مساء الأربعاء، تجميد جميع قرارات الدبيبة بخصوص حلّ الفصائل المسلحة غير النظامية.

حفتر في موسكو، والدبيبة على خط قطر!

لم تكن الأحداث الأخيرة سوى جانب من الأزمة السياسية المتصاعدة في ليبيا. بفعل عدم الاتفاق على وثيقة دستورية لإجراء الانتخابات على أساسها. ومع حضور اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، احتفالات روسيا بالذكرى الـ70 للنصر على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. كما وعقْده، بصفته «القائد الأعلى للجيش الوطني الليبي»، اجتماعاً مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الكرملين، عاد اسمه إلى الواجهة؛ علماً أن تقارير كانت تحدّثت عن ضلوعه في تقديم عرض للولايات المتحدة لاستقبال اللاجئين المرحّلين منها، توطئة لتوثيق العلاقات مع إدارة الرئيس دونالد ترامب.

أمّا الدبيبة. فقد استقبل وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، محمد بن عبد العزيز الخليفي (11 الجاري)، في طرابلس. كما وناقشا «سبل تحسين التعاون الثنائي، ولا سيما في قطاعات الاستثمار ومشروعات البنية الأساسية والنقل» أيضا. إضافة إلى تبادل وجهات النظر إزاء «التطوّرات الرئيسية في الإقليم». وتلى ذلك لقاء جمع الخليفي إلى رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، أعاد خلاله الأول تأكيد دعم الدوحة للمؤسسات الشرعية في ليبيا. ومن هنا، لا يمكن فصل التطوّرات الأمنية الأخيرة عن الاستقطاب المتصاعد للقوى الإقليمية والدولية أيضا. في ما يبدو توطئة لمرحلة جديدة من الصراع بمنأى عن المسار السياسي.

الاستقرار الليبي تفكيك الفصائل المسلحة: خطوة إلى الأمام؟

بادر الدبيبة، في مسعى منه إلى احتواء الأزمة في طرابلس، إلى إعلان قرار حلّ الفصائل المسلحة غير النظامية في البلاد، مؤكداً وضع جميع المرافق العسكرية حصراً تحت تصرُّف وزارة الدفاع والجيش الليبيَّين، مشدداً على أن «عهد المؤسسات الأمنية الموازية قد انتهى». وبينما لمّحت تحليلات ليبية ومصرية إلى استفادة الدبيبة من مقتل الكيكلي، باعتبار أن الأخير كان عقبة أمام هيمنة الأول على مجمل المشهد الأمني في غرب ليبيا، فإن قراءة الميديا المصرية للوضع الراهن تجنح إلى اعتبار ما حصل نقطة انطلاق للفوضى مرّة أخرى في البلاد.

وأشارت وسائل إعلام ليبية وسودانية وغيرها، بدورها، إلى دور (غير مؤكد) للإمارات؛ إذ جاء اغتيال الكيكلي في سياق احتواء «محاولة انقلابية تستهدف العاصمة» بدعم من أبو ظبي، بحسب هذه الوسائل. أمّا مجلس النواب (المؤيد لحفتر)، فقد أكد، في بيان (14 مايو). أن مقتل الكيكلي و10 من حراسه داخل مقر «اللواء 444»، يقع في إطار مسؤولية «حكومة الوحدة الوطنية» برئاسة الدبيبة. معتبراً أن الأخيرة تسعى إلى الهروب من مسؤوليات إنهاء جمود العملية السياسية. و«الانقسام الجهوي والمؤسساتي بتشكيل حكومة موحدة تدير شؤون البلاد الداخلية والخارجية».

سيطرة وزارة الدفاع والجيش على ملف الأمن في طرابلس ومحيطها

وبينما تتّسق الاتهامات الموجّهة إلى أطراف خارجية، مثل الإمارات، مع سلوك الأخيرة في الأزمة الليبية، لا سيما بعد عجزها عن فرض خيار حفتر بالقوّة لسنوات ممتدة، ولجوئها إلى سياسة تنسيق الأدوار الخارجية في الأزمة، فإن استجابة الدبيبة – والتي تبدو قوية ظاهراً – تؤشّر إلى انتهاز الفرصة لفرض سيطرة وزارة الدفاع والجيش على ملف الأمن في طرابلس ومحيطها، للمرّة الأولى منذ عام 2011، وذلك استكمالاً لجهود حثيثة لدمج عناصر الفصائل داخل أُطر الجيش.

كذلك، تأتي خطوته في سياق جهوده لدرء التهديدات التي طالت استمراره «شخصيّاً» في السلطة في الأعوام الأخيرة. ثم إنه يمكن النظر إلى خطواته، ومآلاتها أيضا. على أنها أداة لتحقيق مآرب في السلطة حتى في حال التوصّل إلى مواعيد واستحقاقات انتخابية ليبية في العام الحالي. ودخل «المجلس الرئاسي»، بقيادة المنفي، على خط الأزمة عبر إصدار قرار (مساء 14 مايو). بوقف شامل لإطلاق النار «في جميع مناطق الصراع» (في جنوب طرابلس وشرقها). كما وعودة الوحدات العسكرية إلى مقارها «من دون شروط» أيضا. مع تكليف المجلس القيادة العامة للجيش «بمراقبة الوضع وتوثيق أيّ انتهاكات». كما جمّد القرار «جميع القرارات العسكرية والأمنية التي أصدرتها حكومة الوحدة»، لا سيما المتعلّقة بحلّ الميليشيات المختلفة.

القاهرة تترقب

يظلّ حفتر. الذي جلس في صف خلفي وراء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في احتفالات روسيا بعيد النصر، حليفاً لا يعوّض بالنسبة إلى القاهرة. التي عبّرت خارجيتها (14 الجاري) عن تخوّف مفرط من أن تؤدي الاشتباكات إلى «تصعيد مفتوح وتهدّد مقدرات وأرواح الشعب الليبي الشقيق» أيضا. ورغم الخطورة التقليدية التي رافقت دعم مصر لحفتر، أو تعويلها عليه، فإن الأولى لا تمتلك خيارات أخرى سوى ترقّب استجابة الرجل للأزمة، مع ملاحظة جنوحه إلى فتح قنوات اتصال أكبر وأكثر إستراتيجية مع قوى أخرى غير القاهرة أيضا. كما وإعادة ترتيب أولوياته وفق تلك القنوات، حتى لو جاء ذلك على حساب التصوّرات المصرية داخل ليبيا.

لكن موقف مصر هذه المرّة، ظاهريّاً على الأقل. يختلف جذريّاً عن موقفها الداعم لتحرّك حفتر نحو طرابلس قبل أكثر من خمسة أعوام. لا سيما أن حليفتها في ليبيا (الإمارات) قد تجاوزت رؤية القاهرة بمراحل في أغلب الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. وفي الحالة الليبية، فإن أبو ظبي قد تجنح إلى تسوية مفروضة على غرار «السيناريو السوري». وهو أمر كارثي بالنسبة إلى القاهرة التي أنهكتها الأزمة الليبية بالفعل طوال سنوات، ما قد يزيد من ترقّب مصر. وربّما مدّ علاقات أوثق مع الدبيبة في المرحلة المقبلة  أملاً في إحداث توازن مفقود في هذه الأزمة، سيفيد رئيس حكومة «الوحدة» أكثر من غيره.

 

ميدل إيست أون لاين

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى