نوافذ

الالتفاتةُ القاتلة

اليمامة كوسى

الالتفاتةُ القاتلة..أغلبُ النّاس يملكون هواياتٍ لا يملّون القيام بها ويشعرون بمتعةٍ بالغة وهم يمارسونها باستمرار، ولعلّ ما يخطر في البال عند ذكرِ الهوايات سيكون الرسم أو العزف أو الغناء أو السباحة أو غيرها من الهوايات المألوفة، إلّا أنّ هناك هوايةٌ من نوع آخر لا تقلّ شعبيّةً تنتشرُ لدى كل المجتمعات، وفي كلّ مكان على مرّ الأزمنة المختلفة، ألّا وهي هوايةُ رمي الحجارة!

رميُ الحجارة هوايةٌ بسيطة لا تحتاجُ إلى الكثير من القدارت، فقط بضعُ انكسارات في مرآةِ رؤية الذّات بالإضافةِ إلى لسانٍ سليط وعينين متّسعتين قادحتين.

ترى ممارسيها يحملون دوماً في جيوبهم مخزوناً وافراً من حجارةِ الإحباط والتجريحِ والسخريةِ وتثبيط العزائم، غير مُتَوانين عن الإلقاء بها على جميع مَن يصادفونهم وفي جميع الأوقات، وذلك كأحد مقتضيات تنمية الهوايات بالتأكيد!

لعلّ الحديث يجب أن يكتفي بهذا القدر من التعريف بتلك الهواية التي يمكن القول بأنّها غنيّة عن التّعريف في زماننا هذا على وجه الخصوص، حيث الجميعُ يراقبُ الجميع والسّاحة مفتوحة أكثر لممارسة الهوايات في كل مكان؛ إلّا أنّ هناك معلومةٌ شيّقة للغاية قرأتها منذ مدّة وتتبادر إلى ذهني الآن تقول بأنّ سرعة الغزالة تبلغ تسعين كيلومتراً في الساعة بينما تبلغ سرعة الأسد ثمانٍ وخمسينَ كيلومتراً في الساعة!

وبالطّبع سيقفز السؤال المحيّر إلى البال سريعاً: لماذا تنالُ الأسود من  الغزلان رغمَ ذلك الفارق الكبير في السرعة بينهما؟!

قلّبتُ الأمر في عقلي لبرهةٍ خلصتُ بعدها لاحتمال أنّ الغزالة قد لا تكون تعلمُ بمدى سرعتها الفعليّة وقدرتها الكبيرة على الرّكض، وأنّ كل ما تعلمهُ هو أنّ  الأسد مُفترسها لا محالة ولهذا السبب لا تقوم بأكثر من بضع محاولات يائسة للفرار منه.

إلّا أنّ الأمر الآخر الأكثر أهميّة الذي وجدتهُ هو أنّ الغزالة تُكثِرُ من الالتفات وهي تركض، مدفوعةً إلى ذلك بخوفها الدّفين الذي يفوق سرعتها العالية.

ومع كلّ التفاتةٍ من الالتفاتات القاتلة تلك؛ تتقلّص المسافة بينها وبين مفترسها أكثر فأكثر إلى أن تجد نفسها تئنّ مسلوبة القوى بين أنيابه الحادة.

مسكينةٌ تلك الغزالة، ليتَها تستطيع أن تعي بأنّها إن عرفت نفسها ووثقت بقدراتها ولم تلتفتْ لكلّ حجرٍ يُرمى عليها من هنا وهناك؛ لاستطاعت أن تنجو بحياتها وتُكمل ركضها إلى حيثُ أرادت دون أن يقف أيُّ شيء في طريقها.

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى