نوافذ

الانتحار

الانتحار

ـ 1 ـ

الارشاد الزراعي، في إحدى قرى الهند، نصح المزارعين بأنواع معينة من البذور والحبوب المعدّلة جينياً. وذلك بتسهيل الحصول على قروض من البنوك والفلاح يميل إلى الاستعانة بالقرض الذي يعني مالاً سائلاً ، مؤجل ومقسط الدفع. ولم يعلم بعد تلك المزحة الثقيلة ” أصل الإنسان ليس “قرد” بل “قرض”.

تبين أن صفقة بين البنوك وبائعي البذور والإرشاد الضال… كان لتسويق سلعة فاسدة.

وهكذا أصيب الفلاحون جميعاً بمواسم لا تكفي للخبز، ولكن المفاجأة الأكبر كانت أن البنوك لا تنتظر طويلاً لكي تحصل قروضها… فتصادر ـ وفق القانون ـ الأراضي، ويصبح الفلاحون  مجرد أجراء وعمالاً زراعيين.

هكذا وجد الفلاحون أنفسهم في خط الجوع، على امتداد النهر الذي كان مانعاً لعطش المزروعات، فأصبح مكاناً لانتحار المنكوبين، ومن صمد وقع فريسة لإدمان الخمر والمخدرات، التي أيضاً يبيعها البائعون بالدين. ثم يبيع الفلاح ما تبقى من الحاجات المنزلية… حتى يصبح عارياً على ضفة النهر… فينتحر.

درامياً القصة تصل إلى ذروتين: الأولى أن الانتحار يتم عند آخر زجاجة نبيذ استطاع  ويستطيع الفقير استدانتها أو شراءها، فتبدأ سيرة الحياة تتلعثم على الشفاه المرتجفة… وعلى ضفة النهر،  تسقط بضع كلمات وداع. وفي تلك اللحظات الأخيرة يتابع مشهد الجثث الطافية والجارية، من مناطق أخرى في أعالي النهر، جثث السابقين في الانتحار… يتفرج الفلاح على زملاء جثته اللاحقة.

واللحظة الدرامية الثانية:

هي تجمع الفلاحين عن نقطة عبور ضيقة اجبارية لمياه النهر، أطلقوا عليها، على نقطة العبور، هذا الاسم الجليل الساخر “منتجعات الانتحار”.

في هذه النقطة يراقب الهندي الجثث المارة، لكي يتعرف على أحد المنتحرين من أهله… أخ، أب، ابن، بنت، سبق اختفاؤهم فجأة فيذهبون لمراقبة النهر عند منتجعات الانتحار.

ينتظرون أداة إثبات الموت. وسيلة إيضاحه القصوى، كي يذهبوا إلى يأسهم، واحداً واحداً، في طابور انعدام الأمل.

ـ 2 ـ

عالم البيئة “الأسترالي”  ديفيد غودال… أنهى حياته في “سويسرا” التي تسمح بالموت الرحيم.

قال قبل حقنه بالحقنة القاتلة “لم أعد أرغب بالعيش. كنت أود أن أنهي حياتي في بلدي، ولكن للأسف: أستراليا لا تسمح بالموت الرحيم.

إحدى الجمعيات السويسرية أطلقت حملة تمويل على الإنترنت من أجل تمكين ديفيد من الرحلة إلى موته في الدرجة الأولى في الطائرة.

المنتحرون ارستقراطيو الموت. ولكن ليس في منتجات الانتحار على ضفة نهر في الهند.

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى