الانتصار المؤجَّل (سمير كرم)


سمير كرم

مع بداية الأسبوع الحالي بدا ان اميركا لقيت هزيمة في حربها ضد سوريا. وربما لم تلق هذه الهزيمة على يد سوريا، إنما على يد روسيا خصمها ومنافسها، منذ النظام السوفياتي القديم، حتى الوقت الحاضر والنظام الروسي الجديد.
ولكن هل انتصرت سوريا؟ أم أن انتصار سوريا لا يصبح حقيقياً ومعترفاً به الا اذا زال خطر التنظيمات المسلحة التي دمرت من مدن سوريا ما يفوق طاقتها؟ أم أن من الممكن اعتبار ان سوريا انتصرت من خلال انتصار المشروع الروسي الذي قدم في بداية هذا الاسبوع الى اميركا ففاجأت العالم بأن قبلته، وذلك باعتبار ان هذا المشروع الروسي استطاع ان يمنع ضربة اميركية مباشرة للأهداف السورية؟
الأمر الذي لا شك فيه، هو ان العالم تنفس الصعداء بعد ان ابدت كل من سوريا، ممثلة في حكومتها، والولايات المتحدة، ممثلة في ادارة باراك اوباما، موافقة على المشروع الروسي بأن تتخلص سوريا من كل ما تملكه من اسلحة كيميائية، بحيث لا تعود سوريا تملك تلك الأسلحة بحلول منتصف العام المقبل. لكن رد الفعل العالمي هذا لم يلبث ان تراجع بسبب اعتراضات برزت من داخل الكونغرس الاميركي واعتراضات موازية ظهرت من جانب اسرائيل. وأصيب رد الفعل العالمي بما يمكن اعتباره نكسة، عندما أكد وزير الخارجية الاميركي جون كيري (وكان وقت إدلائه بهذا التصريح في زيارة للقدس المحتلة) «ان خيار القوة لا يزال قائماً». وربما اعتقد بعض المراقبين ان كيري انما اراد استرضاء اسرائيل بقوله هذا. ولم تلبث المعارضة السورية، التي تعتمد على الموقف الاميركي في الازمة السورية من بدايتها، أن أعلنت اعتراضها على الاتفاق الروسي – الاميركي ومطالبتها بتوسيع الحظر المفروض على سوريا ليشمل الطيران والصواريخ. وهو مطلب يؤدي الى حرمان الحكومة السورية من الأسلحة التي تتميز بها قوتها العسكرية.
وظل التناقض في رد الفعل الاميركي يلعب دوره البارز، إذ أن الرئيس اوباما اشاد في مقابلة صحافية يوم الاحد الماضي بما قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما تحمّله من مسؤولية دفع الرئيس السوري بشار الأسد الى تفكيك أسلحته الكيميائية. ويستدعي موقف اوباما، الذي اعتبره بعض المراقبين والجمهور الاميركي المعارض لتهديدات الحرب، التساؤل عما إذا كان قد غيّر موقعه من قيادة صف صقور الحرب الى قيادة صف حمائم السلام. والحقيقة التي تبقى بشأن موقف اوباما هي أن أحداً لا يستطيع ان يسبه وهو يقف في صف الحرب من دون ان يمتدحه وهو ينتقل الى الوقوف في صف السلام. هذا على الرغم من انه يتمتع برفقة مجموعة من اصدقاء إسرائيل داخل البيت الابيض وفي انحاء عاصمته واشنطن وعاصمته الثقافية نيويورك. ولكنه هذه المرة، وازاء المخرج العجائبي الذي اوجده له الروسي، اللغز فلاديمير بوتين، فاجأ العالم بالتسليم بسلامة مشروع بوتين واستعداده بالتالي ـ اي اوباما ـ للقفز الى مركبة الحل الروسي. بل ويبدو ان اوباما كان صاحب فكرة ان يكتب بوتين مقالاً افتتاحياً لصحيفة «نيويورك تايمز» يشرح فيه مزايا مشروعه للخروج من مأزق الأزمة السورية من دون الإخلال بكرامة البيت الابيض او الكرملين.
إنها قصة لا تصدق. ولكن هذا ما حدث. وليس من المتصور ان يتراجع اوباما تحت ضغط إسرائيلي او تحت ضغط المعارضة السورية والأجنبية التي تزداد التصاقاً بالموقف الاسرائيلي. وسيذكر تاريخ العلاقات بين البلدين الكبيرين ـ اميركا وروسيا ـ انهما تمكنا من إحراز هذا الاتفاق وبموافقة سوريا وليس غصباً عنها، إنما غصباً عن إسرائيل وزعماء اللوبي الصهيوني في الكونغرس. وبهذه الصفة فإنه تحوّل تاريخي، وسيبذل طرفاه اقصى الجهد من اجل وضعه موضع التنفيذ. ولكن التحدي الذي يمثله هذا الاتفاق سيتطلب من اميركا جهداً كبيراً لكي تصل به الى نقطة إنهاء الحرب في سوريا، أو على سوريا. ان الولايات المتحدة تواجه الآن معضلة إقناع الكونغرس بإيجابية الاتفاق الاميركي – الروسي، في حين انها بقبول هذا الاتفاق قد استجابت للرأي العام الاميركي. الذي بلغت النسبة المئوية من المعارضين فيه لقرار ضرب سوريا اكثر من 63 في المئة، بل لقد نشر في احد مواقع الانترنت ذات المصداقية العالية ان الكونغرس الاميركي تلقى رسالة واحدة مؤيدة مقابل كل تسع رسائل تلقاها الكونغرس من المعارضين. الا ان نشاط اللوبي الاسرائيلي داخل الكونغرس يجبر ادارة اوباما على بذل جهد كبير لإقناع انصار اسرائيل بان الاتفاق الرامي الى تخلص سوريا من الاسلحة الكيميائية لن يضر اسرائيل بأي درجة انما يفيدها من حيث لا تحتسب. ولقد بدا في تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بهذا الصدد انه لا يريد ان يبدو نصيراً للحرب عدواً للسلام، بل لقد ذكرت مصادر اميركية انه طلب من وزرائه ان لا يدلوا بتصريحات معارضة او مؤيدة لهذا الاتفاق (…).
ولقد تذكّر معظم الكتاب والمعلقين الاميركيين اللوبي الصهيوني، ولكن غالبيتهم لم تتوقف عند رأي المملكة السعودية وما اذا كانت المملكة سترضخ لقبول واشنطن اوباما الاتفاق الاميركي – الروسي. هل ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لأن تتباحث سراً مع المملكة السعودية من أجل الحصول على موافقتها على هذا الاتفاق؟ ليس هذا مستبعداً بأي حال وإن كان لا بد من ان يؤخذ في الاعتبار ان الاتفاق الاميركي – الروسي لا تبدو له اية علاقة بالحرب الدائرة داخل سوريا بين نظامها والمعارضة السورية والاجنبية. وما ينطبق على السعودية ينطبق على بلدان الخليج الاخرى الصغيرة. ولا يمكن تناول هذا الجانب من دون التأكيد على حقيقة ان الاهتمام الزائد من جانب السعودية بدعم الحرب في سوريا هو بداية طبيعية لتمهيد الارض والقوى المحاربة لحرب اكبر وأعقد ضد إيران. كل ما في الامر ان مجموعة الخليج تؤمن بأن الحرب على إيران تبدأ من سوريا. وقد صرح اوباما في حديث تلفزيوني في بداية هذا الاسبوع بأنه «يتعين على ايران ان لا تخرج بدرس بأننا اذا لم نضرب سوريا فمعناه اننا لن نضرب إيران».
فكيف يمكن تفسير تحول الموقف الاميركي من نقطة التهيؤ لشن حرب على سوريا الى نقطة الترحيب باتفاق يُعدّ مخرجاً آمناً لأميركا وسوريا معاً؟ ليس هناك من إجابة على هذا التساؤل الا بالرجوع الى موقف الغالبية العظمى من الشعب الاميركي ضد توجيه ضربة عسكرية لسوريا. لقد وُصفت المعارضة الشعبية الاميركية لتوجيه مثل هذه الضربة لسوريا بأنها «معارضة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب الاميركية في العالم الخارجي». وعلينا ان نعي أن من قال هذه العبارة من المعلقين الاميركيين لم تكن غائبة عنه معارضة شعوب العالم للحرب الاميركية على فيتنام، انما الفارق المهم هنا ان المعارضة ضد توجيه ضربة عسكرية لسوريا ظهرت قبل ان توجه هذه الضربة بالفعل. مع ذلك فإن بعض المعلقين الاميركيين الذين عنوا بمعالجة هذه النقطة اختلفوا حول ما اذا كانت ادارة اوباما قد وافقت على الاتفاق مع روسيا من قبيل تأجيل هذه الضربة او من قبيل إلغائها تماماً. بعضهم لا يزال متمسكاً بأن تراجع ادارة اوباما عن ضرب سوريا بالقوة الجوية ليس سوى تأجيل لوقت توجيه هذه الضربة. وأن ادارة اوباما لن تعجز عن إيجاد مبررات في وقت لاحق تمكنها من توجيه هذه الضربة لسوريا وتقديم الذرائع لروسيا، الطرف الكبير الآخر في هذا الاتفاق.
وفي موقع هذه النقطة الحرجة ينبغي ان لا يُنسى ان روسيا ضاعفت أعداد سفنها في البحر الابيض المتوسط قبالة السواحل السورية. فليس غائباً عن ذهن السياسي صاحب القرار الروسي ان اميركا استغرقت ثمانية عشر عاماً لإنهاء مهمة التخلص من ترسانتها من الأسلحة الكيميائية، بينما امهلت سوريا اسبوعا واحدا لتبدأ بالمهمة نفسها وتنتهي منها في فترة تنتهي في منتصف العام المقبل للتخلص من اسلحتها الكيميائية. وينبغي ان لا يُنسى ان الولايات المتحدة، على كثرة ما خاضت من حروب، لم يسبق ان استخدمت ذريعة الاسلحة الكيميائية سبباً لشن حرب في اي مكان من العالم. وينبغي ان لا يُنسى ان الاعلام الاميركي كان اول من نشر تهديدات من جانب القوى المسماة بالمعارضة في سوريا بشن هجمات كيميائية جديدة ونسبتها الى حكومة بشار الأسد (…)
الموقف الذي يستحق المراقبة من الآن هو موقف اسرائيل واللوبي الصهيوني في اميركا. فهما صاحبا مصلحة مباشرة في إفساد التوافق الاميركي – الروسي. والحد الادنى من مطالبهما هو الإبقاء على الحرب داخل سوريا.
فإذا ما تساءلنا، هل انتصرت سوريا؟ الإجابة صحيحة: «ليس بعد».


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى