نوافذ

التسلية الإلزامية

 

بعد أسبوع من المكابرة، والتصريحات، والاضراب عن الرضوخ للأزمات المتفاقمة في حياتنا السورية… قررت الخضوع لشرط الإذعان: وقفت بسيارتي في طابور يمتد عدة كيلو مترات. واتخذت قراري بأن أتسلى، مهما طال الانتظار.

على المقعد إلى جواري الكتب التالية: “ألموت” وهي رواية عن القرن الحادي عشر زمن الحروب، تلك التي لا عقل لها، زمن الحشاشين.

ديوان “أبو نواس” الإباحي الممنوع… وهو شعر “عقل الجسد” والاستهزاء بكل ما يمنع الغريزة من بسط سيادتها على لحظات المتعة البشرية .

وكان معي أيضاً كتاب الحوارمع أدونيس أجراه بيير أبي صعب لقناة الميادين. وكنت قبل يومين قد كتبت لأدونيس على الواتس اب: “يا عزيزي أدونيس الجميل… لا يوجد أمل دون صياغته، كالذهب، شعرياً. اشتقتلك. نحن في مأزق الآسفين على استهتارنا بأهمية بلادنا” ” اليوم… وأنا أنتظر عالبنزين اقرأ في السيارة حوارك مع الميادين. بمعونة حضورك تحملت الانتظار”.

الكتاب مليء بأفكار وذكريات وأشخاص… أكاد أستنتج أن المثقفين كانوا الحراس الوحيدين لفضيلة التغيير…

وكان على المقعد كتاب آخر عنوانه “متحف الأنقاض ـ نصوص الحرب والعزلة” تحرير وتقديم الروائي خليل صويلح.

الكتاب يضم نصوصاً شعرية ونثرية لـ 28 شاب سوري وشابة منهم من يكتب للمرة الأولى. والنصوص عن الصدوع العميقة في حياة وأفكار ووجدان هؤلاء الشباب، زمن الحرب.

“صديقي مات في بحر إيجه. هو في الحقيقة لم يغرق. فقط التهمته قناديل البحر، وهو يحاول الهرب من الغرق. عظامه الآن تطفو فوق وجه الماء… كمحاولة أخيرة للنجاة”.

“المرأة التي حاولت سدّ ثقب في جدار العائلة… ماتت رمياً بالشتائم”.

“نحن الأحياء على هذه الأرض، سلالة منتصرين في حروب سابقة، سلالة قتلة، نعطي أبناءنا، في وقت مبكر، لقاحاً ضد التاريخ”.

أغلقت الكتاب… فلقد تحرك، أخيراً، رتل السيارات بعد ثلاث ساعات، صرت أفكر أن الزمن المتاح لنا على هذه الأرض، لا يكفي لهذه القسمة الظالمة: “انتظار طويل، وآمال قليلة”.

شغلت شريط موسيقى… للمغنية التي لم تكترث أبداً لتوجيهات المعلمين المختصين بصناعة الرصانة اللائقة لحنجرة ذهبية كحنجرة الشحرورة اللبنانية صباح.

صدح صوتها، كأنما من زمن مغرق في القدم… زمن الخمسينات، وفيما أنا أتذكر نوع الفرح الطفولي بسماعها في تلك الأزمنة، تحرك الرتل أمتاراً، فتحركت.

طال الانتظار… ففتحت دفتر ملاحظاتي الذي يحتوي عل كل ما جمعته من ثروات القصص، وذهبيات الكلام، وخلاصات الأفكار.

وعشوائياً كان أمامي هذه القطعة:

“حين نشبت المعركة بين جماعة الطرابيش العثمانية وجماعة البرانيط الأوروبية… قال محمد علي باشا لضباط الأسطول العثماني الذين وقعوا في الأسر:

“الفرق بيني وبينكم، يا أبنائي، أني أضع عمامة تركية على رأس أوروبي. وأنتم تضعون قبعة أوروبية على رأس تركي”.

تحركت السيارات بضعة أمتار أخرى… ثم مللت من الحضارات والثقافات، وجاء النعاس الجليل الجميل فنمت… ولكن الزميل الساكن خلفي في الطابورايقظني…فتحركنا.

أخشى ما أخشاه أن أصل إلى المحطة فيبلغوني أسفهم أن البنزين خلص.عدت الى كتبي.

قرأت :

كن في الحياة كلاعب وليس كحكم . فالاول يبحث عن هدف ، والثاني عن خطأ .

وكتبت :

أنا لم أفشل …أنا فقط اكتشفت عشرة الاف طريقة غير ناجحة (اديسون).

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى