التسوية بين صمت كيري وصراخ نتنياهو! (جيمس زغبي)

 

جيمس زغبي


في المرحلة الراهنة ليست لدينا أدنى فكرة عما سيقترحه وزير الخارجية الأميركي جون كيري على الفلسطينيين والإسرائيليين، لا سيما أن اتفاق سلام شاملا ما زال أمراً بعيد المنال.
وبدلاً من ذلك، تم إخبارنا بأن الوزير يعمل على «اتفاق إطار عمل»، ولكن لا يزال من غير الواضح ما سيكون عليه شكل هذه الوثيقة بالتحديد، وعلى أي شيء ستنطوي أو تقول أو تقترح.
فهل ستقتصر الوثيقة على تحديد القضايا التي ينبغي حلها؟ أم أنها ستحدد الفجوات التي تفصل الجانبين، ومن ثم تقدم مقترحات أميركية لجسر هذه الفجوات، وهل ستصدرها الولايات المتحدة أم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية سيوقعانها؟
في الحقيقة، ليست ثمة إجابات عن هذه التساؤلات في الوقت الراهن، إذ إن الجهود لا تزال متواصلة، وهذا هو جل ما نعرفه.
وبرغم رفض واشنطن التصريح بأية معلومات، فإن الصحافة الأميركية مكتظة بتقارير تسرد أخباراً مختلفة، وقد أفاد بعضها في البداية بأن الولايات المتحدة راعت بشكل كامل المخاوف الإسرائيلية بشأن غالبية القضايا، بما في ذلك الاحتياجات الأمنية في منطقة غور الأردن، والإصرار على عدم وجود «حق العودة» للفلسطينيين، ومطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل باعتبارها «دولة يهودية».
ولكن لو كانت الأمور تمضي على ما يرام بالنسبة لإسرائيل، فكيف نفسر سلوك حكومتها الأسبوع الماضي؟ فعندما التقى كيري نتنياهو، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي تحويل المؤتمر الصحافي المشترك بينهما إلى جلسة لمهاجمة القيادة الفلسطينية، متهماً الرئيس محمود عباس بإيواء «إرهابيين» والانخراط في التحريض، وتساءل: هل لدى إسرائيل «شريك» حقيقي يبحث عن السلام؟
وبدا واضحاً أن كيري فوجئ بهذه المواجهة العصبية وغير المناسبة، ولكن ذلك لم يكن نهاية الدفع الإسرائيلي العكسي. وأثناء تلك الفترة، أعلن نتنياهو أمام حشد كبير في إسرائيل انه لن يوقع أية اتفاقية تشمل القدس عاصمة لفلسطين، أو تدعو إلى إخلاء المستوطنات الإسرائيلية المثيرة للجدل في الخليل وبيت إيل.
وبعد أيام قليلة، مررت مجموعة من الوزراء في حكومة نتنياهو، مقترحاً رسمياً لتقديم مشروع قانون إلى الكنيست يدعو إلى ضم غور الأردن، وأعقبوا هذا التصويت بزيارة إلى المستوطنات في المنطقة معلنين عزمهم على استعادة السيطرة عليها. وفي غضون ذلك، اتخذ شريك نتنياهو في الائتلاف الحاكم نفتالي بينيت موقفاً متطرفاً، معلناً أن حزبه سيترك الحكومة إذ تم إقرار أي اتفاق يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
وبرغم أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان امتدح جهود كيري ووصفها بأنها «أفضل مقترح يمكن الحصول عليه»، إلا أنه قال أيضاً إنه لن يقبل «حق عودة» لاجئ فلسطيني واحد. وعلق ليبرمان دعمه أيضاً بشأن افتراض مبدأ «مقايضة الأراضي» على قبول الفلسطينيين ترك إسرائيل «منطقة المثلث الصغير» لكيانهم الجديد.
وفي نهاية الأسبوع، أفسد نتنياهو الأمر بإعلانه عن مناقصات لإنشاء 1400 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وإذا كانت التقارير الصحافية الأولى صحيحة، واعتمدت جهود كيري بشكل كبير على مواقف إسرائيل بشأن معظم القضايا، فكيف نفسر كل هذا الهجوم؟ هل يمكن أن يكون نتنياهو يحاول دعم موقفه السياسي بهذه الطريقة لإعداد قاعدته لتقديم تنازلات نهائية، لا سيما أن هذا الهجوم اللفظي لا يكسب التنازلات سوى مزيد من الصعوبة. ولهذا السبب ذاته، من المستبعد أن يكون نتنياهو يحاول جاهداً أن يوضح لوزير الخارجية الأميركي خطورة وضعه السياسي الداخلي.
ولكن ربما أن الإسرائيليين حصلوا على غالبية ما يريدون، ولكنهم يرغبون في المزيد، وربما أنهم يضغطون على الولايات المتحدة، كي تفرض بدورها إطار العمل على الفلسطينيين بحيث يكون استسلاماً أكثر منه اتفاقاً.
ولكن مجموع تلك المطالب التي يدفعون بها ستجعل «إطار العمل» بمثابة نكتة سيئة من شأنها تدمير فرص التوصل إلى ترتيبات من أجل السلام. وبالنظر إلى حجم ما استثمرته الولايات المتحدة في هذه العملية، فمن المستبعد أيضاً أنها ستختتم الأمر بإصدار مثل هذه الوثيقة. والتفسير الأكثر منطقية هو أن كيري جاد بدرجة كبيرة ويدفع بدرجة أكبر من أجل التوصل إلى إطار عمل من شأنه تحريك عملية السلام، وهو ما سبب عدم ارتياح حقيقي لليمين الإسرائيلي.
غير أن قاعدة الإبهام التي تعلمتها في السياسة تشير إلى أنه عندما يبدأ أي طرف – في خضم المفاوضات الخاصة – الصراخ بصوت مرتفع ثم يذهب بمظالمه ومطالبه إلى الصحافة، فإن هذا هو الجانب الخاسر.
وليس هذا لأقول إنني متفائل أو حتى آمِل، فالطريق لا يزال طويلاً ووعراً، ولا يمكن أن أتخيل أن القيادة الفلسطينية ستستسلم وتقبل اتفاق إطار عمل يلغي حقوقها الأساسية. ولا يمكن أيضاً أن أصدق أن الولايات المتحدة ستقدم مقترحاً سيرفضه صراحة الفلسطينيون والرأي العام العربي في الأعم الأغلب، خصوصاً أن الولايات المتحدة تدرك أن هناك كثيراً من المخاطر الشديدة في المنطقة، ولا ترغب في خلق مزيد من الاستياء.
ولذا، فمن الأفضل أن نأخذ نفساً عميقاً ولا نفرط في التفاعل مع الشائعات والتسريبات المبالغ فيها من اليمين الإسرائيلي، فالقصة لم تنتهِ بعد.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى