
إسقاط النظام الإيراني سيشكل خطرا إستراتيجيّا لروسيا، إذ من المرجح أن يكون أي نظام بديل أقل ميلاً إليها.
ربما من السابق لأوانه الحديث عن انتهاء حرب الـ12 يوما، بسبب صعوبة تقييم الآثار المترتبة على الضربة، كما أن تحديد مصير 400 كيلوغرام من اليورانيوم التي أخفتها إيران لا يزال صعبا. إلى جانب ذلك، لا تزال الخلافات العميقة بين إيران والغرب قائمة، ما يشير إلى احتمال تجدد الضربات مستقبلاً.
روسيا، المستفيدة الرئيسية من ارتفاع أسعار النفط إذا تجدد القتال، قد تجد في الحرب فرصة لتشتيت الأنظار عن الحرب الروسية – الأوكرانية. كما أنها تتيح لها فرصة للعب دور الوسيط في تهدئة الصراع، ما يعزز عودتها إلى واجهة سياسات الشرق الأوسط، واستعادة نفوذها الإقليمي الذي تضرر بعد السقوط المفاجئ والكارثي لنظام بشار الأسد في سوريا. ورغم إدانة الكرملين للضربات الإسرائيلية على إيران، فإنه نجح في الحفاظ على علاقات عمل مع إسرائيل، التي لا ترحب بدخول طرف ثالث في الصراع.
لكن الأزمة بين إيران وإسرائيل تنطوي على مخاطر وتكاليف محتملة لموسكو. فشلت روسيا في منع الغارات الجوية الإسرائيلية واسعة النطاق ضد إيران، حليفتها التي وقّعت معها معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة قبل أقل من خمسة أشهر. شعرت إيران بخيبة أمل من رد فعل روسيا تجاه الإجراءات الإسرائيلية والأميركية، ما سيؤثر على مستقبل العلاقات الروسية – الإيرانية.
من الناحية الإستراتيجية ليس لدى روسيا الكثير لتكسبه من تصعيد الأزمة في الشرق الأوسط، بل قد تخسر الكثير. فالتصعيد سيبرز ضعف مجلس الأمن الدولي، وسيتم تجاهل مقترحات روسيا بشأن نظام الأمن الجماعي، ما قد يؤدي إلى توتر العلاقات الروسية – الإسرائيلية، وهو أمر لا يصب في المصالح الإستراتيجية لروسيا.
إسقاط النظام الإيراني سيشكل خطرا إستراتيجيّا لروسيا، إذ من المرجح أن يكون أي نظام بديل أقل ميلاً إليها. كما أن استهداف النظام الإيراني قد يؤدي إلى صعود الانفصالية القومية، وتسلل المتطرفين السياسيين من الخارج، وتفاقم أزمات اللاجئين والهجرة القسرية، وظهور مظاهر الدولة الفاشلة. هذا سيؤدي إلى تراجع المصالح الاقتصادية المشتركة، وربما انسحاب إيران من منظمات مثل “بريكس” و”شنغهاي”، مع امتداد عدم الاستقرار إلى آسيا الوسطى وأفغانستان والقوقاز.
روسيا وشركاؤها يستبعدون هذا السيناريو، إذ إن أي محاولة لإسقاط النظام الإيراني ستكون نتيجة تفاقم الصراعات داخل المؤسسة السياسية الوطنية، كما حدث مع الاتحاد السوفييتي عام 1991. التاريخ يظهر أن النظام الإيراني يتمتع بمرونة واستدامة مبهرتين حتى في أقسى الظروف.
إيران بحاجة إلى أنظمة دفاع جوي متطورة مثل “إس – 500” القادر على اعتراض معظم الأهداف الجوية، بما في ذلك الصواريخ فائقة السرعة. إذا حصلت إيران على هذا النظام مع طائرات مثل “سو – 35″، فقد يشكل ذلك نقطة تحول في مواجهتها مع إسرائيل، ما يحد من قدرة الأخيرة على شن غارات جوية دون خسائر كبيرة.
في المقابل تملك روسيا مصالح إستراتيجية مع إسرائيل، منها الجالية الروسية الكبيرة هناك، وعدم فرض إسرائيل عقوبات مشابهة للعقوبات الأميركية على روسيا. الانفصال عن إسرائيل سيحرم الكرملين من دوره المتوازن في الشرق الأوسط من خلال علاقات بنّاءة مع جميع الأطراف.
ستعتمد موسكو في التعامل مع الأزمة الحالية على الأدوات الدبلوماسية. قد يستخدم بوتين اتصالاته مع ترامب لتحذيره من تداعيات تدخل أميركي أعمق في الصراع الإيراني – الإسرائيلي.
كما يمكن لروسيا مساعدة إيران في بناء مفاعلات نووية، وإقناعها بالبقاء في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والحفاظ على علاقات عمل مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ميدل إيست أونلاين