بين قوسين

التغريبة مستمرة

جولي الياس خوري

التغريبة مستمرة …عندما خرج والدي من عكا فلسطين سنة ١٩٤٨ كان عمره  ثمانية  أيام .. خرج مع اهله تهريبا  على ظهر الحمير على أساس أسبوع واحد وسيعودون  .. لان اخبارية وصلت عكا ان اليهود سيهجمون على عكا  ، و سيستبيحون اهلها  … ويهجرونهم من بيوتهم  !!

خرج جدي المحامي من منزله حاملاً معه فقط مفتاح البيت وسند الملكية .. على أساس انه سيعود  في اليوم التالي ليأخذ بضعة أغراض من المنزل  حين  يؤمن  على عائلته  بعيدا عن الخوف والموت !!

لم يخطر في باله  أن هذه ستكون المرة الأخيرة التي يرى فيها   بيته  ومدينته وكل ما يملك .. خسر كل شي ء..  أصيب جدي بالشلل ومات من القهر .. وماتت جدتي في دمشق وكان حلمها أن تدفن في فلسطين .. ومات والدي بعدها ب٤ سنوات .. وكان حلمه أن يرى فلسطين اللي عاشها في قصص جدي ورواياتها الحلوة   …. !!

كانت فلسطين قضية والدي التي التزم بها طيلة عمره ولم يجف حبر قلمه وهو يكتب عن حلمه و الذي  مات قبل ان  يتحقق … !! كانت دمشق وطنه  .. ولهجته دمشقية قديمة جدا .. لم يصدق أحد غير  أنه من الشام  … !! عشق دمشق .. وحافظ على حلمه .. وعلمني معنى الوطن .

أحيانا كنت أشعر  بالغربة عندما  يقول لي أحد ما  أنت فلسطينية …ولست سورية .. كنت أدافع عن سوريتي .. وأقول لهم  أنا سورية اكثر منكم  لكني  مخلوطة بدم فلسطيني .. ولي الشرف انني أملك قضية وطنية ..

التغريبة مستمرة _ كبرت وتزوجت  وصار بامكاني  أن آخد الهوية السورية .. ولكن عندما  أعطوني إياها كان علي التنازل عن هويتي الفلسطينية .. شعرت بخيانة لفلسطين ولوالدي .. حزنت وبكيت ..ولكن كان انتمائي وعشقي لسوريا كبير  … كبير جدا .. والآن  ..  أنا جالسة في بيتي في  أميركا اتحسر على بيتي في سوريا وأتألم على حلم بابا في أن تعود فلسطين..  تهجير الناس من بيوتها وسرقة أحلامها ومستقبلها صارت مشاهد مكررة وعادية .. كأنه مكتوب علينا ترك منازلنا وأوطاننا وأن يبقى  الوطن .. مجرد حلم .. بعيد جدا  …..!!

أنا اعرف جيدا  شعور الانسان  عندما  يخسر وطناً .. لذلك  … أحاول التمسك بحلمي وأصلي  حتى لا يخسر أحد بيته  ووطنه .. وترجع سوريا وفلسطين!!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

للمتابعة مع الكاتبة يرجى الإطلاع على (ببساطة) على اليوتوب:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى