نوافذ

التقييم الأخلاقي للفن.. وصاية الكل على الكل

واحدة من الإشكاليات التي طفت على السطح مؤخراً هي؛ التقييم الأخلاقي للفن إلى حد شهدت صفحات التواصل الاجتماعي، ما يشبه “محاكم تفتيش”  يقيمها من يعتبرون أنفسهم أوصياء على العقول و حراساً للأخلاق والقيم، ويقاضون عبرها الأعمال الفنية وأصحابها، في ممارسات غير واعية، يغلب عليها التنمر على صانعي الفن، وقلما تخلو من نقاش جدي ومثمر.

عملياً تقييم الناس الأخلاقي للفن مسألة لا يمكن ضبطها بمعايير، فلندع عن أنفسنا تلك المسؤولية، ولكي لا نجافي الحقيقة أيضاً نقول أنه صحيح اننا نسمع ونقرأ آراء يعيبها جهلها وجاهليتها، لكن من آراء الناس أيضاً ما ينافس أكثر الكتابات اتزاناً ومعرفة…وهذا التنوع في الآراء واختلافها حالة صحية في ظاهرها، على أنها مسألة لا يؤمن جانبها، في مجتمع منفصم بين ما يمارسه وما يعتقده، وبين ما يبوح به علناً ويفعله خفية.. مجتمع يختلط فيه الحقيقي مع المدعي، والواضح مع الملتبس، فضلاً عن راكبي أمواج الموضة والترند وعشاق (الدلو بدلوهم في كل حدث مجتمعي).

الصورة بمجملها  تدفع المشكلة إلى منطقة شائكة يريد الكل (سواء من منتقدي الفن أو مؤيديه) أن يفرض حالة من الوصاية على الكل، منطقة بقدر ما تحتاج إلى تحرك نقدي واعي لما يقدمه الفن، يتطلب بالضرورة  دوراً فاعلاً لعيادات الطب النفسي وباحثي علم الاجتماع…أي أننا أزاء ما يعرض اليوم لن نقدم صكوك غفران للفن بالمجمل، ولا ندين بالمجمل من يقوم بمحاكمته أخلاقياً… لكن لنا معايير إليها تنسب الأمور وبها تقاس ووفقها يحاكم أي عمل فني وعندها ينتهي تقييم المحتوى من الناحية الفكرية، فالفن المخلص لوظيفته مطالب بأن يوفر فرصة لتحريك الراكد في معتقداتنا، وإثارة أسئلة كبرى في عقولنا، وفهماً أكبر لواقعنا، على أن يكون ذلك محكوماً بمنطق العلاقة بين الموضوع والبيئة، ينبع من منطق الشخصية في كل لحظة درامية وصراعاتها المحتملة، لا مما يريد صانع الفن أن يصبغه على شخصياته وحواراتها، وفقاً لأجندات مسبقة واشتراطات يتطلبها تمويل المشروع الفني أو ترشيحه لنيل جوائز عالمية أو نتيجة لفهم سطحي لمعنى “الجرأة” و”الانفتاح” و”الاختلاف”.

* الناقد ماهر منصور من أبرز المشتغلين على النقد الدرامي السينمائي والتلفزيوني ، عمل في الصحاافة السورية والعربية ، ويكتب للموقع من دبي.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى