نوافذ

التلوث الفكري والكتابة الخضراء

التلوث الفكري والكتابة الخضراء…. من ذوائع القول ومستهلك الخطاب الإعلامي العام في مختلف البيئات بتباينات مستوياتها المدنية وأيديولوجيات ساكنيها ، أن العالم المعاصر يعاني تحت ضغط وبفعل التطور الصناعي الهائل ، من تهديدات مباشرة  للحياة النظيفة على سطح الكوكب الأرضي ، بفعل التسارع  في الإنتاج بتشكيلاته اللامتناهية من المعادن واللدائن ، و مايتخلف عنه من ملوثات مرئية  صلبة أو سائلة أو مستنشقة ، أومتسللة عبر أغذية لا يراعي منتجوها قواعد السلامة الصحية ،

وتحفل أجهزة  الإعلام  ببرامج متخصصة، أو بإشارات داخل برامج عامة بالحديث عن هذه المعاناة الكوكبية بما يهدد ركائز الحياة ، ويتبارى العلماء و السياسيون في الحديث عن تنظيف الكوكب من أدران التلوث و الإشعاعات و العوادم القاتلة و ملوثات المناخ  التي تنعكس على نشاطات سكان الأرض، وتكاد تعصف بالتوقعات وتقلب الخرائط رأسا على عقب ، ولكن هل انتبه هؤلاء إلى ماهو أشد خطورة من الملوثات المادية للبيئة و العوادم السامة  أو الخانقة أو المربكة لميزان الحرارة العامة ؟

هل أدرك هؤلاء السياسيون والعلماء وخبراء البيئة ماهية التلوث الفكري  عبر مصانع التدجيل السياسي والتزوير القيمي ، وقلب الحقائق  في قرارات دولية أو محلية ؛ بانعكاساتها على مجمل الحراك الإنساني ؟ أم أنهم ولعماء  عرضي أو تعام مقصود يتغاضون عن هذا كونهم صُنّاعه ، رغم تأثيراته عظيمة النتائج على معنى الحياة الآمنة والسلم والسلام الدوليين  الذي يتشدقون به في كل مؤتمراتهم وأنديتهم ولقاءاتهم التلفازية أو منشوراتهم الدعائية ؟

أليس ما يلاحظ على المجتمع الدولي من تجاهل لقضية إنسانية ما ، لأن أصحابها من الضعف بمكان فيما هو ـ هذا المجتمع  ينتفض بكل مافيه من قوة، ومالديه من أدوات سياسية أو اقتصادية دفاعا عن قضية لأصحابها من حظوة من العلاقات المشتركة مع ( فتوات ) هذا المجتمع ؛ فيفرضون العقوبات ويحاصرون الدول و يسقطون الحكومات، أو يؤيدون الدكتاتوريات ، في شيزوفرينيا أخلاقية ، وبراغماتية سياسية مرذولة ،وفي الموقف من العراق وسورية وليبيا  وغيرها من الدول التي لاتروق لقوى الاستعمار الحديث المغلف في صورته العولمية أدلة دوامغ  …. أليس هذا التلوث الفكري  والذي لاتتوانى أجهزة عدة رسمية وغير رسمية على بث أدخنته على مدار الساعة استهدافا لأدمغة البسطاء من الناس، مايؤدي في نهاية الأمر إلى إشعال الفتن والتحريض المذهبي و التناحر الطائفي ، بما يضمن لتاجر السلاح ( الديمقراطي ) رواج بضاعته ( المسلحة ) تدعيما لـ(السلام ) المزعوم…. أليس داعي السلام عبر أجهزته الإعلامية وأدواته الدبلوماسية في عالم مابعد الحربين العالميتين هو نفسه تاجر السلاح ؟

التلوث ليس وقفا على مخلفات بيئية صلبة أو سائلة أ و روائح وعوادم  خانقة أو زاكمة للأنوف ، بل إن الأخطر والأشد تأثيرا وتهديدا لسلامة الحياة هو هذا التلوث الفكري  بما يصبه في قنوات الوعي و مسارب الرأي من مسمومات الأقوال وتداجيل الرؤى ، ومكافحته ـ  إن أردنا الانتصار الحق لحياة الإنسان ـ  أجدى وألح من مكافحة فضلات المصانع و عوادم السيارات ،  التي يصرخ الجميع في مؤتمرات وندوات وعبر وسائط إعلامية متعددة بضرورة خلق بيئة خضراء نقية منها  ، فما أحوجنا عزيزي القارئ الحصيف إلى تخضير أرواحنا وعقولنا وتنقيتها من عوادم الأيديولوجيات الطاحنة والمبثوثات الفكرية السامة.

ما أحوجنا إلى الكتابة الخضراء  إن أردنا الإعلاء الحق لإنسانية الإنسان !

* نائب رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى