نوافذ

الثالوث المقدس

الثالوث المقدس… ما الذي يعنيه تمجيد المدفع الذي يطلق إحدى وعشرين طلقة تحية لرئيس أو ملك أو عام جديد؟ لماذا للبارود كل هذا الحب، وللصوت كل هذا الجلال، وللماسورة الباردة كل هذا الاحترام؟

قبل ستة قرون أطلقت المدافع أولى تجاربها لاختبار قدرتها على القتل. باختراع الماسورة التي تُحشى بالبارود واحتراقه يولد غازاً دافعاً لكتلة معدنية تذهب بعيداً…اكتشف العلماء، بسبب المدفع وغازاته لاحقاً، مكبس الآلة الاسطواني (الماسورة). وبذلك يكون المدفع هو الجد العظيم للآلات…لحضارتنا الصناعية التي وصلت اليوم إلى أقصى حدود طاقتها الجنائية.

لقد غدا المدفع “دافعاً” والدافع “مدفعاً” في دورة جهنمية انتزعت من بني الانسان في عصرنا هدوءهم الذي أنجزته الطبيعة عبر مليارات السنين. لم يعد هناك اقتصاد في العيش. بل اقتصاد اختراع طرق المبالغة في العيش. ولم يبق من الحوار بين البشر سوى الغش في كمية البارود المحشو في قذيفة.

لم نعد ـ كما يقولون ـ ” نعيش من اليد / إلى الفم. مضى زمن الفردوس وانقضى. الطعام لم يعد ـ بالتسمية والتعريف ـ شيئاً يؤكل. بل… سلعة تجارية يتبارى الاغنياء في تذوقها، ويقتتل الفقراء للحصول على ادناها.

لقد فرح الإنسان كثيراً بتوفير عرق الجبين، عبر آلته. ولكنه أنقص حصته من الاسترخاء. ولم يعد يسأل عن الغاية النهائية من كل ذلك، بل عن الوسيلة المتطورة ، ناسيا حلاوة التجاور بين البشر.

“العلم … مفصولاً عن الحكمة، والوسائل عن الغايات، يجعل من المعرفة ليس (فضيلة) في النمو الحر للذات الإنسانية وتحقيق جوهرها الروحي وسعادتها…بل (سلطة) في خدمة إرادة القوة والسيطرة على الطبيعة والآخرين”.

قضت الأمراض البدائية: السل، والطاعون، والحصبة على بضعة ملايين من البشر  خلال ملايين السنين. وفي مئة عام كان المدفع هو الطاعون الجديد الذي التهم عشرات الملايين. وهو على أهبة الاستعداد  لإبادة صيدلية العالم – الطبيعه، كلها، في ثوان.

قبل ربع قرن كان بضعة مفكرين يتحسسون مدى معرفة الإنسان بعالمه. وحدود الخطر في الاستخدام التسابقي للوسائل، والكيفية التي يدار بها الوضع البشري في كل مكان…في أماكن إنتاج القوة تحديداً. (أي عالم الغرب وأمريكا).

لقد توجهوا إلى “الثلاثة الكبار” في هذا العصر:السياسة. العلم. والدين. واستنتجوا( سريعا) أن السياسة تحتاج إلى أنبياء، والذي يقودها رعاع. وإن العلم يحتاج إلى حكماء، والذي يقوده صانعو اليورانيوم والسيارات. وإن الدين يحتاج إلى أصحاب رؤى وفضائل، والذي يقوده أرثوذكس النص المقدس في قارات الكتب الثلاثة.

المجد للمدفع إذن. المدفع الأب والابن … وروح عصرنا، رغم الفلسفة واختراع السياحة الباسمة في طبعتها الخالدة أبد الدهر…الخرائب !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى