الثورة اليتيمة!(حلمي الأسمر)

 

حلمي الأسمر

 

لا يدخر الأردن الرسمي والشعبي جهدا في استيعاب الأعداد الهائلة من اللاجئين السوريين الفارين من لهيب القمع والقتل إلى لهيب الصحراء والمعاناة، بعد رحلة طويلة محفوفة بالموت يقطعها اللاجىء أملا في إيجاد ملاذ آمن، وكذا هي الحال بالنسبة لتركيا، أما العراق الذي قذف باكثر من مليون لاجىء عراقي إلى سوريا إبان محنته، فقد أغلق الحدود في وجوه الفارين من الموت، «تضامنا» مع نظام يدعي أنه يواجه مؤامرة دولية، وربما امتثالا لأوامر طهران، التي تحكم بغداد الآن، وكلمتها هي العليا!
مع انطلاقة الشرارة الاولى في درعا مهد الثورة السورية وما تلاها من أحداث دامية في باقي المدن السورية في بداية حزيران لعام 2011، بدأت العائلات السورية بالنزوح واللجوء الى مدينة الرمثا الحدودية والقريبة لمدينة درعا، ومع اتساع رقعة الثورة في جميع المدن السورية ازداد العدد الداخل الى الاردن ليزيد عن 150 ألف لاجئ سوري. وحينها تنادى ما يسمى «المجتمع الدولي» لإغاثة الملهوفين من ابناء الشعب السوري، ولكن الكلام شيء وما يحصل على الأرض شيء آخر، فكما خذل هذا المجتمع ثوار سوريا، خذل أيضا لاجئيها، فهي رغم كل ما يقال من دعم ثورة يتيمة بمعنى الكلمة، ويبدو أن ما يجري داخل الغرف المغلقة في مراكز صنع القرار الدولي، مغاير بالكامل لكل من يتشدق به الناطقون الرسميون أمام عدسات التلفزة، فالثورة التي كادت تصل إلى مبتغاها غير مرة، تم خذلانها خوفا من اليوم التالي لسقوط الأسد، وهو سيناريو مرعب لإسرائيل تحديدا، التي تحركت آلتها الضاغطة لترك الثوار والنظام على حد سواء لإنهاك بعضهم البعض وتدمير كل المقدرات الوطنية السورية، ويشهد ما يتسرب من أنباء أن أحدا من أصحاب «المصلحة» ليس في عجلة من أمره لإسدال الستارة على المأساة السورية، إن لم نقل أن بعض الأطراف معنية بإعادة سوريا إلى العصر الحجري، وفي الأثناء يدفع اللاجئون الثمن، كما يدفعه المدنيون السلميون الذين ثاروا من اجل تنسم هواء الحرية والكرامة!
من السهل على أي صوت أن ينطلق الآن لحث المجتمع الدولي للوقوف مع الدول المضيفة للاجئين، خاصة الأردن وتركيا، ولكن الأمر لا تحكمه المعايير الإنسانية فقط، رغم وجاهتها، فالسياسة بلا قلب و لا تتوفر لدى أي مراقب محايد أي مشاعر يقينية أن أحدا يهتم فعلا بإنهاء الصراع السوري، فلكل طرف حساباته، ولكن ما لا يمكن القفز عنه، أننا في الأردن وتركيا تحديدا تحملنا كل ما نستطيع من أجل غوث هؤلاء الذين تقطعت بهم السبل، وعلى من يتشدقون بالإنسانية من أهل الغرب، الذي يصرفون على إطعام الكلاب والقطط المليارات أن يخصصوا ولو جزءًا يسيرًا من هذه الميزانية لبشر يواجهون الموت والإذلال يوميا، كما أنه على أصحاب المليارات المتخمين بالثروات العربية ان يتنازلوا ولو عن جزء من ميزانية التصييف التي كانوا يصرفونها في سوريا تحديدا، للتمتع بتبولة الشام وهوائها العليل، والماء والخضراء والوجه الحسن في مصايفها، ولو من باب رد الجميل فقط!

صحيفة الدستور الأردنية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى