الجيش والإخوان.. الوفاق الصعب (نبيل شرف الدين)


 

نبيل شرف الدين

هذه أزمة سينكرها طرفاها، لأنها ببساطة (أم الأزمات) التى تطفو بعض مظاهرها على السطح حيناً، وترقد تفاصيلها مثل بركان يغلى تحت قشرة رقيقة، ويمكن أن تنفجر منه الحمم فى أى لحظة.
أتحدث عن «الوفاق الصعب» بين المؤسسة العسكرية والرئاسة، وبتعبير أدق «الجيش» بغض النظر عن قادته، و«الرئاسة» ومن يصطف خلفها رسمياً، أو يمسك بخيوطها من خلف ستار وهم: قادة جماعة الإخوان المسلمين، الذين كشفت ممارساتهم السياسية عن حقيقة مؤداها أنهم لا يملكون سوى مشروع «التمكين».
تمكنوا بالفعل من مفاصل مهمة فى الجهاز الإدارى أخطرها الرئاسة، ومشروع «الأخونة» ماض على قدم وساق رغم إنكار الجماعة، لكن ما يرصده أى مراقب منصف للأوضاع فى مصر سيتحقق من صحة هذه العملية.
لكن هناك مؤسسات مستعصية بالطبع على «الأخونة»، وتأتى المؤسسة العسكرية فى صدارتها، فالعقيدة العسكرية الراسخة ضد الانحياز لفئة أو طائفة من الشعب، حتى لو كانت فى سدّة الحكم، وهنا تكمن الأزمة، فبعد تفكيك «المجلس العسكرى» توهم الإخوان أن اختيارهم لوزير الدفاع عبدالفتاح السيسى سيضمن لهم الولاء للجماعة، كما حدث مع غيره من الوزراء، لكن هناك حقيقة لم ينتبهوا لها وهى أن الجيش مؤسسة أكبر من الوزير وكل القادة، وأنها ليست «منظمة خيرية» بل هى كيان كبير موازٍ للدولة، لها تقاليدها وحساباتها ومصالحها والتزاماتها الوطنية والدولية، وراح الإخوان يطلقون بالونات الاختبار لقياس رد الفعل، فتارة يتحدثون عن إقالة الوزير ثم ينكرون ذلك، وتارة يحاولون التدخل فى قرارات تمس صميم مهام الجيش كتدمير أنفاق غزة، والحقيقة أن موقف وزير الدفاع وخلفه الجيش كان مشرفاً، ورد بحسم على هذه المناورات والبالونات الإخوانية، بل وسربت أنباء عن تورط عناصر من حركة «حماس» الموالية للإخوان، أو الجناح العسكرى للتنظيم الدولى، فى مذبحة رفح التى راح ضحيتها ١٦ جندياً.
ونشرت مجلة «الأهرام العربى» أسماء منفذى المجزرة، وجميعهم من «كتائب القسام» التابعة لحماس، وأكد رئيس تحريرها أن مصدر معلوماته شخصية فى الحركة، كما تحقق من صحة المعلومات عبر مصادر أمنية.
السؤال: هل يمكن لإحدى مطبوعات «الأهرام» أن تختلق معلومات بهذه الخطورة، وهى المؤسسة الصحفية شبه الرسمية، دون رضا المؤسسة العسكرية؟ والجواب هو (لا) بالبنط العريض، وأى مصرى يدرك ذلك جيداً.
واقعة أخرى ألقت فيها أجهزة الأمن بمطار القاهرة القبض على ٧ فلسطينيين لدى وصولهم من سوريا وبحوزتهم خرائط لمنشآت حيوية مهمة فى مصر، وخطط لتدريبات عسكرية، ناهيك عما كشفته التحقيقات فى قضية «خلية مدينة نصر».
الآن وبينما تتسع الفجوة بين المصريين، وتتصاعد الانتقادات للرئاسة والإخوان، فقد وصل الأمر لاستقطاب شعبى حاد بين رؤيتين: الأولى ترى ضرورة تدخل الجيش لحماية الهوية الوطنية التى يعبث بها الإخوان.
لكن هناك من يخشى أن تؤدى عودة الجيش للسياسة لنظام شمولى حكم مصر ستين عاماً منذ انقلاب ١٩٥٢، ورغم ذلك حرر آلاف المواطنين توكيلات للقيادة العسكرية لتحميهم من تسلط الإخوان، واصطف آلاف العسكريين المتقاعدين مع الشباب الثائر فى تظاهرات ضد الجماعة، وطالبوا الجيش بحماية هوية الدولة ومؤسساتها.
وبتقديرى المتواضع فإن الجيش المصرى ليس راغباً فى الانزلاق لمستنقع السياسة، لكنه سيضطر لذلك فى ثلاث حالات حصرية وهى:
– انزلاق البلاد للفوضى التى يمكن أن تؤدى للاقتتال الأهلى.
– المساس بالشؤون الداخلية للجيش ومصالحه والتزاماته الدولية.
– قرار الحرب.
وبلغة واضحة أؤكد أن أى مصرى يحلم بدولة مدنية لا يريد عودة الحكم العسكرى، ولا الجيش يرغب فى ذلك، لكن نظام الإخوان يقود مصر نحو صراع اجتماعى مفتوح، خاصة بعد اللغو الذى أثير عن منح «الضبطية القضائية» لما يسمى اللجان الشعبية، وهو ما يعنى العنف الأهلى، لكن الإخوان ينظرون لكل هذه التحذيرات باستخفاف، على النحو الذى كان يمارسه نظام مبارك، بل بطريقة أكثر فجاجة واستعلاء ومكابرة.
اللهم قد بلغت

صحيفة المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى