شرفاتكتاب الموقع

الحارة سد عمّو! ماذا فعلت عندما لاحقني دخان الانفجار؟!

الحارة سد عمّو!  … أنا مثل كل البشر أخاف وأرتعد وأهرب أحياناً.

لم أدّعي أبداً أنني فارس مقدام، وإذا كان من الضروري أن يكون الإنسان شجاعاً وفارساً، فإن أهم خطوة في شجاعته وفروسيته هي أن يكون واقعياً، والواقعية هنا هي معرفة القوى الذاتية في مواجهة الظروف الخارجية.

أصعب اللحظات في حياتي كانت عندما فررت من التفجير في المكان الذي أعمل فيها باتجاه الداخل، فقد كنت في مكتب صديق لي عندما دوّى انفجار كبير هزّ البناء كله، فتوقعنا هجوماً مسلحاً على المبنى، لكن التفجير كان في الداخل، لذلك قررت الخروج من الغرفة، لأن المنفذ الوحيد لها هو الباب.

بقي صديقي في مكتبه يرقب الخارج من النافذة، وكان الخارج عادياً، ليس هناك مايشير إلى هجوم مباغت، أما أنا فغادرت تحاشياً من أي خطر داهم، فرأيت الدخان ونيرانا قليلة في الممر، لذلك ركضت في الاتجاه الآخر هرباً منها، ولم أكن أعرف إلى أين يؤدي الممر.

لاحقتني سحب الدخان، وعندما انعطفتُ مع اتجاه الممر انعطف الدخان معي، وكأنه يبحث مثلي عن مخرج يفر منه، لكن المفاجأة أن آخر الممر كان مغلقاً، وهذا يعني أن النهاية الحتمية هي الموت، لذلك تلاقيت مع سحب الدخان ودخلت في قلبها بحثا عن مخرج ، عاركتها ، فغلبتها ، فوجدت بوابة نجاة، و كتبت لي حياة جديدة .

أخذتني تلك الحادثة إلى حاراتنا القديمة، فقد كنا أيام زمان نلعب في الحارة، فنصادف بين يوم وآخر أحد المارة يسأل عن عنوان ما، فنجيبه : ليس هنا، وعندما يتابع سيره نخبره أن الحارة سد ، وهذا يعني أن عليه أن يعود من حيث أتى..

الحارة سد (!!)..

تلك هي الفكرة ..

كل شيء في حياتنا يغلق أبوابه، كل الحارات التي نحاول الفرار منها هناك من يخبرنا أنها (سد)، وكل الحلول التي نبحث عنها لنتجاوز طوارئ الحياة، نكتشف أنها تؤدي إلى طريق مسدود، إلى الدرجة التي أصبحنا فيها في قلب الحوت، فمن يخرجنا من الظلمات ؟!

هذه الحالة تعيديني إلى الانفجار، فماذا لو لم أجد المخرج الذي أبحث عنه، وماذا لو عدت فواجهني خليط الدخان والنيران ، هل يمكن أن أكسر الجدار وأخرج منه ، وكان الحل أن أتعارك مع النار والدخان لأغلبها .

لا أعرف ..

في آخر مرة، قررتُ أن أخرج من المدينة التي أحبها، ولكي أخرج منها كان ينبغي علي أن أتصور نفسي أنني كرهتها، لذلك اتجهت نحو الجهة الشرقية من المدينة، دخلت في حاراتها و زواريبها بحثا عن مخرج لي ، إلى أن واصلت إلى نهايتها .

رأيتُ أطفالاً يلعبون . سألتهم عن مخرج لي، فقال واحدٌ منهم :

ــ الحارة سد يا أستاذ !

اتجهت إلى الجهة الغربية من المدينة، وعبرت أزقتها وشوارعها بحثا عن مخرج لي، إلى أن وصلت إلى مجموعة أطفال يلعبون بسعادة، وسألتهم عن مخرج لي ، فأجابوا وهم يتابعون اللعب :

ــ الحارة سد ياعمّو!

لم يبق لي سوى جهتين الشمالية والجنوبية ، ومن جهة الشمال الغربي للمدينة كان قاسيون أكثر وضوحاً ، فأشار لي أن المدينة سد أيها العاشق الذي يكتب عني، المدينة سد يا أستاذ، ولن تستطيع أن تجد مخرجا في تراكم البيوت والحارات المزروعة على صدري.

ونزلت إلى الجنوب ..

في جنوب دمشق ، ثمة مقبرة اسمها مقبرة باب الصغير، اتجهتُ نحوها ، ودخلتُ إلى قبورها ورحت أسأل الموتى عن مخرج لي من المدينة التي أحبها، وكان الموتى يضحكون ، وسمعتُ واحداً منهم يقول :

وصلتْ يا أستاذ !

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى