الحرب الباردة انطلقت من الأزمة الأوكرانية: أحادية القرار إلى زوال.. (انطوان الحايك)


 
انطوان الحايك 

استعرض دبلوماسي شرقي المشهد الإقليمي والدولي الممتدّ من أوكرانيا إلى لبنان مرورًا بسوريا وسائر نقاط التوتر المنشرة على أكثر من مساحة جغرافية ليخلص إلى القول بأنّ التفاهمات الأخيرة المبرمة في شباط الماضي بين موسكو وواشنطن ما زالت ضمن نطاق صلاحيتها في ظل خشية عارمة من انتهاء مفاعيلها لاسيما أنّ المصالح الاستراتيجية الأساسية لكلّ واحدة منهما محفوظة ولم تتعرض لأخطار جدية ما عدا مناوشات وضغوط محدودة لم تقدم أو تؤخر في المسار العام.
ويتوقف عند الأحداث المتسارعة في أوكرانيا كما عند الاتصالات الحثيثة بشأن أزمتها ليعرب عن اعتقاده بأنّ الامور لم تخرج بعد من دائرة الضبط وأنّ كلّ ما تريده واشنطن من وراء إثارة الموضوع على المستوى الدولي هو حشر حليفها الأوروبي وتطويعه بعد أن باتت دول اتحاده تشكل مفارقة على الصعيد الاقتصادي عبر تثبيت سعر صرف اليورو ودخوله على خط الدولار الاميركي في كثير من التعاملات الاقتصادية خصوصًا بين موسكو وأوروبا حيث تتم المبادلات التجارية على اساس اليورو، فضلا عن نيتها التضييق على روسيا بعد أن فرضت نفسها لاعبًا دوليًا ورقمًا إقليميًا ينذر بنسف التفاهمات السابقة برمتها وإعادة تركيبها استنادا إلى موازين القوى الجديدة المحققة اقتصاديًا وسياسيًا وحتى عسكريًا. ويلفت إلى أنّ الواقع هو أنه على واشنطن أن تفهم بانها لم تعد اللاعب الوحيد وأنّ أحادية القرار في طريقها الى الزوال، وبالتالي فان الكلمة الفصل لم تعد لها وحدها بدليل ما حصل في شبه جزيرة القرم. بيد أنّ ردة الفعل الروسية السريعة لم تقم وزنا للرأي الغربي ومصالحه الحيوية بل تصرفت على اساس انها صاحبة الحل والربط في الدول المحسوبة ضمن نطاقها ولها الحق المطلق في التصرف من دون العودة الى الشريك وذلك اسوة باميركا التي تتصرف بالدول التي تشكل حديقتها الخلفية وفق مصالحها دون الاخذ بالاعتبار مواقف سائر الدول. وبالتالي فان موسكو ردت سريعا على الانقلاب الابيض الذي اطاح بالرئيس الأوكراني الموالي لها.
في سياق متصل رجح الدبلوماسي عينه أن تشتدّ الازمة الاوكرانية وطأة في الايام القليلة المقبلة معتبرًا أنّ مجمل التطورات والاحداث التي تشهدها شرق البلاد تصب في مصلحة روسيا، خصوصا أنّ التهويل بفرض عقوبات عليها لا يقع في مكانه الصحيح. فالمتضرر من فرض العقوبات ستكون اوكرانيا نفسها واوروبا عموما في ظل حقيقة راسخة وهي ان القرم هي من يرفد الخزينة الاوكرانية باكبر كمية من الاموال نظرا لموقعها الاستراتيجي على البحر ولكونها تحوي العديد من المصانع والمصالح الاقتصادية ومحطات لتكرير الغاز الطبيعي وتاليا فان انفصالها عن اوكرانيا وانضمامها الى الاتحاد الروسي سيشكل الفارق وسط عجز الاتحاد الاوروبي عن التعويض عليها نظرا لكثرة الديون وحجمها أولاً وللضغط الروسي باتجاه تحصيل ديونها الناجمة عن فواتير الغاز من جهة ثانية.
إزاء هذا الواقع فإنّ الاتحاد الاوروبي سيجد نفسه عاجزا عن التأثير على القرارات الروسية المتعلقة بالقرم، كما أنّ واشنطن عليها أن تقتنع، بحسب الدبلوماسي نفسه، بأنّ المعادلة نفسها تنطبق على الساحل السوري ما يعني بان موسكو لن تقدم تنازلات لا في سوريا ولا في لبنان لعدة اعتبارات اولها انها دخلت في ثنائية القرار الدولي ليس لتخرج منه بهذه السهولة، وثانيها الارباك الاميركي في المنطقة وعدم اعتراف الادارة بموازين القوى الجديدة الناجمة عن إنشاء قاعدة روسية متقدمة في طرطوس الواقعة على خط متوسطي استراتيجي، فضلا عن صلابة التحالف الذي تقود من خلاله موسكو حربها الباردة.

الالكترونية اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى