الحرب في أوكرانيا.. ماذا سيفعل إردوغان؟
الحرب في أوكرانيا.. ماذا سيفعل إردوغان؟ فمع استمرار التصعيد الأميركي والأوروبي ضد روسيا بحجة حشودها العسكرية على الحدود مع أوكرانيا، تتجه الأنظار كالعادة صوب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الحليف الاستراتيجي للرئيس الأوكراني اليهودي الأصل زالينسكي.
فقد شهدت العلاقات التركية مع أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة تطورات مثيرة وسريعة، خاصة في المجالات العسكرية والاستخبارية والسياسية، بما فيها الوساطة الأوكرانية بين أنقرة وتل أبيب.
تحدثت المعلومات أكثر من مرة عن تعاون مشترك في مجال تصنيع الطائرات المسيّرة وتطويرها، وأعطت أنقرة العديد منها لكييف التي بدأت تستخدمها ضد مواقع الانفصاليين في دونيتسك ولوغانسك شرق البلاد. ودفع ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الحديث مع إردوغان هاتفياً حول هذا الموضوع، وأبلغ الوزير لافروف نظيره التركي تشاويش أوغلو انزعاجه منه.
ومع أن أنقرة تتهرب من الإعلان عن أي موقف رسمي تجاه الأزمة بين الغرب وروسيا، إلا أن الجميع يعرف أنها لن تتراجع عن تعاونها مع كييف، كما أنها لن تتخلى عن دعمها للأقلية المسلمة في القرم، بعد أن أعلنت أكثر من مرة، على لسان إردوغان، أنها لا ولن تعترف بقرار موسكو ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا في آذار/مارس 2014، على الرغم من العلاقات المتشابكة مع موسكو في العديد من المجالات.
كما أن تركيا التي تطلّ على البحر الأسود بنحو 1700 كلم لا تهمل علاقاتها مع الجارة جورجيا، وهي أيضاً مصدر قلق بالنسبة إلى روسيا التي لا تخفي قلقها من مقولات الرئيس إردوغان وسياساته في منطقة القوقاز، عبر التحالف العسكري مع أذربيجان وفي منطقة آسيا الوسطى عبر منظمة الدول التركية، التي تضم أوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان وقرغيزيا، والتي كانت تشكّل الحديقة الخلفية للاتحاد السوفياتي، والآن روسيا التي يتحدث إعلامها عن مخاطر السياسات التركية داخل روسيا، حيث جمهوريات الحكم الذاتي المسلمة.
واشنطن ومعها العواصم الغربية تدرك جيداً أهمية هذه المعطيات التركية، وهو ما يدفعها إلى السكوت عن سياسات أنقرة في قبرص وسوريا وليبيا، ما دامت تزعج روسيا بشكل مباشر أو غير مباشر. كذلك هي تعرف جيداً مدى أهمية مضيقَي البوسفور والدردنيل اللذين تسيطر عليهما تركيا، وهما الممر الوحيد للسفن الروسية وهي في طريقها إلى قواعدها في سوريا أو البحر الأبيض المتوسط عموماً، وخاصة أن لتركيا علاقات جيدة مع الجارتين بلغاريا ورومانيا اللتين تطلّان على البحر الأسود، والعضوتين في الحلف الأطلسي، حالها حال اليونان التي تسعى واشنطن إلى تطوير قواعدها فيها لمحاصرة روسيا ومنعها من النزول إلى المياه الدافئة عبر المضائق التركية والمياه التركية واليونانية في بحر إيجة.
ويفسّر ذلك الضجة التي صاحبت حديث الرئيس إردوغان عن شق قناة جديدة بين البحر الأسود وبحر مرمرة أو بين البحر الأسود وبحر إيجة، ليتسنّى للسفن الحربية الأميركية والأطلسية الذهاب إلى البحر الأسود من دون الالتزام بشروط اتفاقية سيفر لعام 1936، والتي تمنع سفن الدول غير المطلّة على البحر الأسود من دخول البحر المذكور والبقاء فيه أكثر من 20 يوماً وبمهمات خاصة.
الحصار الأميركي والأطلسي هذا لروسيا، وعبر التحالف غير المعلن مع تركيا التي تشهد علاقاتها مع موسكو الكثير من الفتور وأحياناً التوتر بسبب قضية إدلب والوجود التركي في سوريا وليبيا وأذربيجان، ومحاولتها بيع طائراتها المسيّرة لدول البلطيق المجاورة لروسيا غرباً، بات واضحاً أنه سيخلق لموسكو الكثير من الصعاب في حساباتها الإقليمية والدولية، وهي تعرف أن الموقف التركي المحتمل قد يغيّر موازين القوى، ليس فقط في أوكرانيا، بل في المنطقة عموماً. ويفسّر ذلك حديث الجنرالات الروس عن احتمالات اللجوء إلى الرادع النووي في حال استمرار التهديدات الأميركية والأطلسية التي يرافقها استنفار تام لقواتها في العشرات من القواعد القريبة من روسيا، ومنها تلك الموجودة في تركيا، وأهمها إنجيرليك، وفيها نحو خمسين رأساً نووياً.
ومع حديث الرئيس إردوغان عن استعداده للوساطة بين موسكو وكييف والرفض الروسي لذلك، يعرف الجميع أن أنقرة لن تتخلى عن تحالفها مع أوكرانيا، ليساعدها ذلك على التوسع سياسياً وعسكرياً ونفسياً في البلقان ودول البلطيق، ومن دون أن تتجاهل أنقرة العديد من الحسابات المعقدة في علاقاتها مع روسيا التي شهد تاريخها مع الدولة العثمانية العديد من التوترات والحروب، وقد يراهن الغرب على تكرارها، وخاصة مع استمرار أحاديث إردوغان التاريخية ذات الجذور الدينية والقومية، ويريد لها أن تجعل من تركيا دولة عظمى تنافس روسيا وأميركا وأوروبا.
ويفسّر ذلك مساعي أنقرة لإقامة وتطوير علاقات متشابكة مع معظم دول العالم، ومنها القريبة لروسيا، مثل ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا، وتخطط لبيعها طائراتها المسيّرة، وهو ما يزعج ويستفزّ موسكو من دون أي شك، وخاصة بعد قرار فنلندا شراء 80 طائرة من طراز أف-35 الأميركية، والتي ستغيّر موازين القوى في المنطقة لمصلحة الحلف الأطلسي الذي ما زال يرى في تركيا مخفراً متقدماً له ضدّ روسيا في البحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى ودول الشرق الأوسط عموماً، وأهمها إيران بامتداداتها في سوريا والعراق.
وتراقب القواعد الأميركية في جنوب تركيا وشرقها كل التحركات العسكرية في المنطقة عن كثب، لضمان حماية “إسرائيل” من خطر الصواريخ الإيرانية الباليستية منها والنووية، وفق المخطط الأميركي.
ويبدو أن واشنطن لا ولن تكتفي بحوالى 750 قاعدة عسكرية في مختلف دول العالم، ما دامت ترى في كل من يعترض على سياساتها عدواً لها، وهو ما يفسر استفزازاتها لروسيا وإيران، ومن دون أن تهمل الصين، ما دامت تؤمن بأن حلفاءها سيكونون إلى جانبها كما كانوا في السابق، في سنوات الحرب الباردة.
ويفسّر هذا الإيمان الأميركي استمرار مواقف أنظمة الخليج في خدمة المشاريع الأميركية، كما يفسّر أيضاً كل ما عاشته المنطقة في سنوات “الربيع العربي” الدموي، بكل تآمراتها العربية والإقليمية والدولية، والتي كانت جميعها في خدمة “إسرائيل” وما زالت، بشكل مباشر أو غير مباشر!