الحساء البارد

*القائد الجيد يكسب الحرب دون خوضها*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقول محمد الماغوط في نصوص لائقة بعنوان كتابه الدامي والساخر “سأخون وطني”:

“كل طبخة سياسية في المنطقة… أمريكا تعدها، وروسيا توقد النار تحتها، وأوروبا تبردها، وإسرائيل تأكلها، والعرب… يغسلون الصحون”.

أود إبداء دهشتي من تصريحات الرئيس ترامب حول إخراج قواته من سورية في أقصر وقت. كان كل المحللين السياسيين، الذين لا أثق كثيراً بتنبؤاتهم، يعتقدون أن أمريكا جلست في الشمال السوري، ولن تنسحب حتى تؤمن القوى الكافية لفصل شمال سورية عن جنوبها في حالة من التأكيد على التأبيد. ومن التحليلات الواثقة أيضاً: عدم سماح أمريكا بانهيار جبهة الغوطة الشرقية. وهي على بعد كيلومترات من التنف ، احدى اهم قواعدهم الرئيسية . ولكن الغوطة صارت انقاضا وبدون مسلحين ، ولم يطلق الاميركيون رصاصة مساعده .

ومن التحليلات الصارمة: أن هدف أمريكا هو قطع طريق العواصم المربكة: طهران. بغداد. دمشق. بيروت. ولذلك أقامت عشر قواعد عسكرية في سورية.

ومن التحليلات المخيفة أن أمريكا ستقصف دمشق وقواعد الجيش السوري، في حال استخدام السلاح الكيماوي.

تحليلات… ترامب بددها بسطرين. وأدهش الجميع بأن وزارتي الخارجية والدفاع لا علم لهما بهذا التصريح الذي لا بد أنه مفكر به من قبل.

ثمة تحليلات”بسيطة” تقول عكس كل التحليلات الصارمة “العميقة” التي جعلت ترامب مجنوناً، وأمريكا متورطة بحياكة الهاويه.

من هذه البساطات:

1 ـ يعرف ترامب ،لابد انه يعرف ، أن بلاده صرفت على حروب لا لزوم لها خلال 20 عاماً مبلغ 4 تيريليون . وهويريد المال لترشيده ،لا لتبديده.

2 ـ روسيا الموجودة في سورية لم تأت لتسند النظام في لحظات ضعفه، بل لتؤسس قوة شريكة في أهم دولة في الشرق الأوسط (دولة لم تدمّر رغم كل شيء). ولمدى طويل.

3 ـ قوة إيران ليست كذبة من ورق، فهي قادرة على خوض نوع من الحروب لا يتحمله خصومها…اسم هذه الحروب: “إلحاق الأذى العميق”. هناك جيوش تتحمل هزائم، وهناك بلدان تتحمل خسائر، وهناك خيارات وبدائل إلا في الحالة الإسرائيلية. (إسرائيل دولة فقرية لا تتحمل الضرب على عمودها الفقري)، وهزيمتها نهايتها.

4 ـ ترامب بعقلية الصفقات… لا تعنيه آبار نفط شمال سورية، وكل نفط الخليج تحت تصرفه، ولا الغاز… فغاز شمال سورية يكفي لملء قداحات المدخنين لا أكثر. والصدام مع روسيا، حتى لو بإسقاط طائرة ف 16 لا يجوز التورط به، لأن الصدام لن يكون لإخراج روسيا من سورية بالقوة، في حين ان بقاء اميركا في شمال سورية لن يستمر إلا بالقوة… إنها لحظة صفر عبثية مكلفة ، ولا جدوى من الوصول إليها.

5 ـ ذاكرة ترامب تخزن تجربة المجزرة في لبنان الثمانينات( 250 )جندي مارينز بضربة واحدة. والقواعد العشرون في سورية لن تكون آمنة من الضرب.

6 ـ ترامب يريد المال والنفوذ. ولديه هذه الصياغة: “رعاة الإبل يدفعون لرعاة البقر”.

7 ـ إسرائيل، هذه المرة، يا أستاذ محمد الماغوط ، تريد عقلنة المستقبل، بالامتناع عن إلتهام إحدى طبخات أمريكا، وبعض هذه الطبخات، الآن، مجرد صحن من الحساء البارد. كما أن اسرائيل ليس صحيحاً انها متحمسة للحرب مع ايران ، ما دامت هناك فرضية يوم القيامة بالصواريخ الإيرانية السورية اللبنانية الغزاوية… فالحرب لم تعدجبهة وخنادق ودبابات.

دهشتي تحولت الى يقين بأن خروج أمريكا من سورية، إشارة إلى بداية الحل في سورية… الحل الشامل والسياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى