الحكومة السورية الجديدة أمام اختبار صعب في إعادة هيكلة اقتصاد منهار
الحكومة السورية الجديدة تعول على خصخصة الشركات وتسريح موظفين في القطاع العام ومكافحة ظاهرة الموظفين الأشباح، وسط مخاوف من تسريح على أساس طائفي.
تسعى الحكومة السورية الجديدة إلى إجراء إصلاحات جذرية للاقتصاد المنهك في البلاد. بما في ذلك خطط لتسريح ثلث العاملين في القطاع العام. كما وخصخصة شركات مملوكة للدولة كانت مهيمنة خلال حكم عائلة الأسد الذي دام نصف قرن.
الحكومة السورية الجديدة
وأثارت وتيرة الحملة المعلنة للقضاء على إهدار المال والفساد احتجاجات من موظفي الحكومة. من أسبابها أيضا مخاوف من التسريح على أساس طائفي. وتمت بالفعل أولى عمليات تسريح للعاملين بعد أسابيع فقط من إطاحة المعارضة ببشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول.
وتحدث خمسة وزراء في الحكومة المؤقتة التي شكلتها جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية. عن النطاق الواسع للخطط الرامية إلى تقليص عاملين بالقطاع العام. مثل طرد عدد كبير من “الموظفين الأشباح” وهم من كانوا يتقاضون رواتب مقابل عمل قليل أو دون عمل على الإطلاق إبان حكم الأسد.
وفي عهد الأسد ووالده حافظ، كانت سوريا قائمة على أساس اقتصاد عسكري تقوده الدولة ويحابي دائرة داخلية من الحلفاء وأفراد العائلة. مع تمثيل أفراد الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد بشكل كبير في القطاع العام.
وقال وزير الاقتصاد السوري الجديد المهندس السابق في مجال الطاقة باسل عبدالحنان (40 عاما)، إن هناك الآن تحولا كبيرا نحو “اقتصاد السوق الحرة التنافسي”.
الحكومة السورية الجديدة ستعمل على خصخصة الشركات الصناعية المملوكة للدولة
وفي عهد الرئيس المؤقت أحمد الشرع، ستعمل الحكومة السورية الجديدة على خصخصة الشركات الصناعية المملوكة للدولة والتي قال عبدالحنان إن عددها 107 شركات معظمها خاسرة.
ومع ذلك تعهد بإبقاء أصول الطاقة والنقل “الاستراتيجية” مملوكة للدولة. ولم يذكر أسماء الشركات التي ستباع. وتشمل الصناعات الرئيسية في سوريا النفط والأسمنت والصلب.
وقال وزير المالية محمد أبازيد. في مقابلة إن بعض الشركات المملوكة للدولة يبدو أنها موجودة فقط لسرقة الموارد وسيتم إغلاقها. مضيفا أنهم كانوا يتوقعون وجود فساد لكن ليس إلى هذا الحد.
وأوضح أن 900 ألف فقط من أصل 1.3 مليون يتقاضون رواتب من الحكومة يأتون إلى العمل بالفعل واستند في ذلك إلى مراجعة أولية. مضيفا هذا يعني أن هناك 400 ألف اسم شبح، مضيفا أن إزالة هذه الأسماء من شأنه توفير موارد كبيرة.
وتابع أن هدف الإصلاحات التي تسعى أيضا إلى تبسيط النظام الضريبي . مع العفو عن العقوبات هو إزالة العقبات وتشجيع المستثمرين على العودة إلى سوريا.
وأردف أبازيد الذي عمل سابقا خبيرا اقتصاديا في جامعة الشمال الخاصة قبل أن يشغل منصب مسؤول الخزانة في معقل المعارضة في إدلب عام 2023، أن الهدف هو أن تكون المصانع داخل البلاد بمثابة منصة إطلاق للصادرات العالمية.
الحكومة السورية الجديدة – نموذج إدلب
وقبل اجتياح دمشق في الهجوم الخاطف الذي أطاح بالأسد، أدارت هيئة تحرير الشام إدلب كمنطقة منشقة تابعة للمعارضة منذ عام 2017 جذبت الاستثمار وأنشطة القطاع الخاص مع تخفيف البيروقراطية وتحجيم الفصائل الدينية المتشددة.
وقال الوزيران. إن الحكومة الجديدة تأمل في زيادة الاستثمار الأجنبي والمحلي على مستوى البلاد لخلق فرص عمل جديدة. مع إعادة بناء سوريا بعد صراع دام 14 عاما. لكن من أجل تكرار نموذج إدلب، يتعين على هيئة تحرير الشام التغلب على تحديات هائلة من بينها العقوبات الدولية التي تؤثر بشدة على التجارة الخارجية.
وقالت مها قطاع كبير أخصائيي المرونة والاستجابة للأزمات في المكتب الإقليمي في الدول العربية بمنظمة العمل الدولية. إن الاقتصاد حاليا ليس في حالة تسمح له بتوفير ما يكفي من الوظائف في القطاع الخاص.
وأشارت إلى. أن إعادة هيكلة القطاع العام “أمر منطقي”. لكنها تساءلت عما إذا كان ينبغي أن يكون ذلك على رأس أولويات الحكومة التي تحتاج أولا إلى إنعاش الاقتصاد. مضيفة “لست متأكدة إذا كان هذا قرارا حكيما حقا”.
وفي حين يقر بعض المنتقدين بضرورة تحرك الإدارة المؤقتة سريعا لإحكام قبضتها على البلاد. فإنهم يرون أن نطاق ووتيرة التغييرات المخطط لها مبالغ فيها.
وقال آرون لوند. وهو زميل في مركز سينشري إنترناشونال للأبحاث الذي يركز على الشرق الأوسط “إنهم يتحدثون عن عملية انتقالية. لكنهم يتخذون القرارات كما لو كانوا حكومة تم تنصيبها بشكل شرعي”. وتعهد الشرع بإجراء انتخابات. لكنه قال إن تنظيمها قد يستغرق أربع سنوات.
امتصاص الصدمة
وقال وزير الاقتصاد إنه سيتم وضع السياسة الاقتصادية لإدارة تداعيات الإصلاحات السريعة في السوق لتجنب فوضى الركود والبطالة. التي أعقبت “العلاج بالصدمة” الذي شهدته الدول الأوروبية السابقة بالاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي.
وأضاف عبدالحنان. أن الهدف هو تحقيق التوازن بين نمو القطاع الخاص ودعم الفئات الأكثر احتياجا.
وأعلنت الحكومة زيادة رواتب موظفي الدولة التي تبلغ حاليا نحو 25 دولارا شهريا، بنسبة 400 بالمئة اعتبارا من فبراير/شباط. وتعمل أيضا على تخفيف وطأة تسريح العاملين عن طريق منحهم مكافأة نهاية الخدمة. أو مطالبة بعضهم بالبقاء في المنزل لحين تقييم الاحتياجات.
وقال حسين الخطيب مدير المرافق الصحية بوزارة الصحة، إنه سيتم صرف رواتب الموظفين الذين تم تعيينهم فقط لتلقي أجور لكي يبقوا في منازلهم ويدعوهم يعملوا.
ومع ذلك هناك شعور واضح بالفعل بعدم الارتياح. وأظهر عاملون قوائم متداولة في وزارتي العمل والتجارة اللتين قلصتا برامج توظيف العسكريين السابقين الذين قاتلوا مع الحكومة ضد المعارضة في عهد الأسد خلال الحرب الأهلية.
وقال محمد وهو واحد من هؤلاء العسكريين السابقين، لرويترز إنه تم تسريحه من وظيفته كمدخل بيانات في وزارة العمل يوم 23 يناير/كانون الثاني ومنحه إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر. وذكر أن حوالي 80 عسكريا سابقا آخرين تلقوا الإشعار نفسه.
منح عددا من الموظفين إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر لتقييم وضعهم
وردا على أسئلة رويترز، قالت وزارة العمل إنها منحت عددا من الموظفين إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر لتقييم وضعهم الوظيفي ومن ثم النظر في وضعهم بسبب عدم الكفاءة الإدارية والبطالة المقنعة.
وأثارت هذه الخطط احتجاجات في يناير/كانون الثاني بمدن، من بينها درعا في جنوب سوريا حيث اندلعت شرارة الثورة ضد الأسد في عام 2011، واللاذقية الساحلية. وكانت هذه الاحتجاجات أمر غير متصور في عهد الأسد الذي رد على المظاهرات ضده بحملة قمع أشعلت الحرب الأهلية.
وحمل موظفو مديرية الصحة في درعا لافتات تندد بما وصفوه بأنه فصل تعسفي وظالم خلال مظاهرة شارك فيها نحو 24 شخصا.
وقال أدهم أبوالعلايا الذي شارك في المظاهرة. إنه يخشى من فقدان وظيفته الذي عين فيها عام 2016 لإدارة سجلات المديرية وتسوية فواتير المرافق. وعبر عن تأييده للقضاء على ظاهرة الموظفين الأشباح. لكنه نفى تقاضيه هو أو زملاؤه أجرا بدون القيام بعمل.
وأوضح أن راتبه يساعده على توفير الاحتياجات الأساسية، مثل الخبز والحليب وإعالة أسرته وأنه يعمل في وظيفة أخرى أيضا لسد احتياجات عائلته، مضيفا أن البطالة ستزيد حال تنفيذ هذا القرار، وهو ما لا يستطيع المجتمع تحمله.
ميدل إيست أونلاين