الحل في سورية: سؤالان خطران وجريئان!

دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لا أعرف معايير الذهاب إلى مؤتمر سوتشي، ولا أريد أن أعرف لكي لا أستنفر أعصابي، فأي سوري لايستطيع أن يكون محايدا، عندما يدور الحديث عن حل لوقف الحرب في بلده، ومع ذلك نويت أن أكون محايدا، في تجربة تحاول البحث عن تحليل لمستقبل الحوار الوطني السوري.

سأطرح سؤالين على غاية الأهمية : الأول ماذا لو وافقت المعارضة المسلحة وغير المسلحة على مايريده النظام؟! والثاني ماذا لو وافق النظام على ماتريده المعارضة المسلحة وغير المسلحة؟!

السؤالان هما فكرة عبثية للتعاطي مع الحديث عن العملية الجارية لوقف الحرب في سورية، ولكن لابأس . لماذا لانطرح السؤالين ونبحث فيهما لعل الله يفتح علينا، ونجد أن لامفر من البحث عن طريق يستند فتحه لحسن النوايا وأصالة الانتماء الوطني !

في الحالة الأولى ، ماذا يحصل لو قبلت المعارضة بالحل الذي يطرحه النظام؟

الأكثر توقعا، عندما يحصل ذلك، هو الشروع في بناء حياة سياسية مهذبة موظفة هادئة في احتجاجها، وتقوم على المبادئ نفسها التي اعتدنا عليها قبل الحرب، والتي أفرزتها طبيعة طبيعة الحياة السياسية السورية في ضوء معطيات الصراع العربي الصهيوني ، هذا الصراع الذي يفرز اليوم ، ودون أن ينتبه إليه النظام العربي الرسمي، نوعا جديدا من المخاطر مع كل نهار يفوت على انشغالنا عنه بالسلطة والولاءات!

وإذا أعطى النظام فرصة أفضل ستكون الحياة السياسية على النحو التالي :

ــ معارضة سياسية في البرلمان والحكومة يضمنها الدستور وتؤسس قوتها لنفسها واستمراريتها من خلال عدم التصادم.
ــ وحدة الجيش في هويته العقائدية الحالية المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي.
ــ بقاء سيطرة النظام الحالي على الأجهزة الأمنية وفق مبادئ جديدة أرق وضمانات تتعلق باستخدام صحيح لها!
ــ الشروع بإعادة الاعمار وفق رؤية الدولة والأولوية للحلفاء.

طبعا هذا الافتراض هو تخيلي ولكنه قريب جدا مما قد يحصل فيما لو حصل، وهو على الأقل يعيد سورية ، ليس كما كانت، وإنما أقل مما كانت عليه بعشرين بالمائة، وهذا حسن .

وماذا عن السؤال الثاني ؟

لو أن النظام وافق على ماتريده المعارضة من مشاريع تتعلق بالحكم في سورية، سنكون أمام احتمالين ، وهما احتمالان خطران ، لنقرأ في الاحتمال (آ) ، وفي بعده الرئيسي ليس هناك من قوة قادرة على قيادة البلاد حتى في ظل دستور يشبه دستور سويسرا، فالشباب الذين يطرحون أنفسهم ونراهم على شاشات التلفزيون ونعرف بعضهم عن قرب ليس لهم قوة حاسمة في المجتمع تسيطر على موازين القوى حتى في صندوق الاقتراع، هم نوع من شظايا قنبلة فجرتها الحرب ، ولايمكن جمعها . وبالتالي ليس هناك من يصون الدستور، وليس هناك من يضبط الصراع (بحكم دور الدولة) حتى لو كان هناك بعد اقليمي ودولي ضامن، وعندها تذهب المكاسرة إلى أبعد ماهي في الداخل الآن !

هذا الاحتمال إلى ماذا يؤدي ؟

يؤدي تلقائيا إلى كيانات سورية تعتمد على : الدين (المشوه طبعا) ، والطائفة، والعشيرة، والاثنية، أي ستكون سورية نموذج آخر عن ليبيا ((ألف ميليشيا فما فوق)) مقسمة ضعيفة هشة، تغص بشاشات تلفزيونية يظهر عليها أشخاص لانعرفهم وقد أصبحوا نجوما . وعندها لاتكون الحرب قد توقفت بل بدأت وما كان ليس سوى بروفة.

الاحتمال (ب) أن يفتح الله على قوى المعارضة بكل أنواعها وتفرز قوة موحدة يمكنها أن تصون الدستور والحياة المبتغاة التي يتفق عليها الجميع ، وتجعل القوة الرئيسية الحالية للنظام قوة معارضة يصون الدستور حركتها وينصت الجميع إلى اعتراضاتها في البرلمان والحكومة، وعندها سنسأل : كيف سيكون مصير الجيش الحالي؟ ومن سيقود الأجهزة الأمنية الحالية، وهنا يفرض السؤال نفسه: ماذا سينتج عن تفكيك القوى الأمنية والجيش؟! (حيث، وباعتبار أن المعارضة على يقين من أنها لاتقدم لها الطاعة والولاء، ستقوم بتفككها)

هذا الاحتمال إلى ماذا سيؤدي ؟

يؤدي تلقائيا إلى توسع التدخل الخارجي في سورية، وتحول إسرائيل إلى غول يلتهم الجميع ويثير الفتن بينهم، وتنتشر مافيات التهريب والتجسس والقتل وتكون سورية جاهزة للتقسيم الذي سيكون جزءا من حياتها اليومية، أي إن النتيجة ستكون: إبقاء الوضع الحالي، ويستبدل النظام القوي بمجموعة قوى متحالفة غير قادرة على رسم مستقبل جيد لسورية !!

طيب والحل : هل هو في جنيف أم أستنة أم فيينا ؟!

الحل هنا .. في سورية، وإذا كان توازن القوى في صالح طرف أو آخر، فعلى الطرف الثاني أن يقبل بهذا التوازن، ويقر بخسارة الحرب، لأن الإقرار بخسارة الحرب هو على الأقل كسب واضح لوحدة سورية وكرامة أهلها وهويتها في المرحلة التالية ، أي أن على الجميع الحفاظ على وحدة الدولة وقوتها وتحديث قوانينها وأدواتها وتعميق عقيدتها الوطنية ، وتهيئة البنى الدستورية والقانونية والأمنية والعسكرية لصيانة البلاد وصيانة مايتفق عليه من أشكال الحد الأدنى من تبادل السلطة عبر المؤسسات !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى