الحيرة والتردد حول لقاء مرسي وأوباما (نبيل فهمي)

نبيل فهمي (سفير سابق لمصر في واشنطن)

يتوقع من يتابع العلاقات الدولية أن يلتقي الرئيس مرسي و نظيره أوباما خلال زيارته المقبلة للولايات المتحدة‏, فمصر دولة إقليمية مهمة شهدت تطورات داخلية تاريخية, والولايات المتحدة دولة عظمي لها مصالح دولية بما فيها في الشرق الأوسط, مع هذا هناك حيرة وتردد ونحن نقترب من توقيت الزيارة.
حيرة أوباما مركبة كون اللقاء سيقع في الأسابيع الأخيرة للحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية, وهي فترة يتجنب فيها المرشحون عادة اللقاءات الحساسة وغير الواضحة النتائج, خشية أن تستغل للتأثير علي الناخبين, و تقع زيارة مرسي في هذا التوصيف. والواضح أن ظروف أوباما تجعله حذرا في إدارته محدود الطموحات, في حين يدخلها مرسي وفي ظهره زخم سياسي قوي بعد استرداده لكامل سلطاته الرئاسية, وإثبات استقلاليته خارجيا خلال زياراته في الصين وإيران, والتي استغلها لإبراز أنه يتخذ مواقف مبدئية وصريحة بصرف النظر عن مضيفه ـ من سوريا ـ وهو ما أؤيده, وإبرازه لـسنيته في معقل الشيعة, وهو ما أزعجني, لحذري من الاستقطاب المذهبي أو الديني في الأمور السياسية, وكل ذلك يرفع مستوي التوقعات من والضغوط علي الرئيس المصري لتحقيق نتائج طموحة واتخاذ مواقف قوية وصريحة خلال زيارته المقبلة لنيويورك.
لذا سيعمل أوباما علي إنجاح اللقاء إذا تم, مع السعي لتجنب المفاجآت, ويدخل ذلك في الحسابات الأمريكية حول مكان اللقاء بين واشنطن ونيويورك, وشكله الإعلامي, وفي المشروعات المطروحة خلاله ارتباطا بالربيع العربي, أو التعاون الثنائي بين الدولتين, أو القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط, حتي يخرج به الرئيس الأمريكي أمام الرأي العام كنتائج إيجابية تدعم مركزه الانتخابي أو علي الأقل لا تضره. وفي النهاية ستغطي الحسابات الأمريكية الانتخابية علي كل الحسابات الأخري, من حيث ترتيبات اللقاء, أو حتي ترتيبه من عدمه من الأساس, فقد لا ينعقد لتبرد أمريكا, فأقرب المقربين من الرئيس الأمريكي من حملته الانتخابية الأولي, و يضعون مستقبلهم و مستقبله السياسي فوق كل اعتبار.
أما حيرة مرسي فهي في كيفية مواصلة مواقفه القوية وتأكيد أنه يختلف عن السادات ومبارك, وصاحب قرار مستقل, حتي لا يفقد شعبيته في مصر والعالم العربي, دون إعطاء ذخيرة لمنافسي أوباما وجماعات الضغط, والتي ستسلط الأضواء علي برودة العلاقات المصرية الإسرائيلية, وعدم تبادل الاتصالات السياسية الرئاسية بين البلدين, كما قد تسعي بعض جماعات الضغط المسيحية لإثارة قضايا المسيحيين في مصر والعالم العربي, خاصة تلك المنظمات الأمريكية تقع علي يمين الخريطة السياسية الأمريكية لأوباما, ومؤيديه لأقصي اليمين الإسرائيلي, الذي يتخذ مواقف سياسية سلبية تجاه العرب و المسلمين. ورغبة الجانبين قوية في إظهار عدم اضطراب العلاقات, علي الأقل في الوقت الحالي, لذا ستسعي الولايات إلي طمأنة مصر أن أمريكا داعمة للتطور الديمقراطي المصري واستقلالية قرارها, وأن المعونات الأمريكية لن تنخفض سريعا, بل قد تزداد بالنسبة للمشروعات الصغيرة ودعما لجهود تأمين سيناء, مع التركيز إعلاميا علي نقاط الاتفاق حول نشر الديمقراطية, والتنمية الاقتصادية, والموقف القوي تجاه سوريا, وتأمين سيناء والتزام مصر بتعهداتها الدولية, أي باتفاق السلام المصري الإسرائيلي.
يسعي الرئيس المصري لتسليط الأضواء علي ترحيب العالم بالتغيرات المصرية, بما في ذلك مع الولايات المتحدة, لثقلها السياسي والاقتصادي والأمني, خاصة ما يتعلق بالتعاون العسكري, وما يؤكد هذا استئناف المناورات الجوية المشتركة هذا الأسبوع. ولن تكون هناك مشكلة أمام الرئيس المصري في تأكيد التزام مصر بالاتفاقيات الدولية والإقليمية, بما في ذلك اتفاقية السلام مع إسرائيل, في إطار واقع مصر التاريخي, وتحقيق حل شامل للنزاع العربي الإسرائيلي, وإقامة عاصمة فلسطينية في القدس الشريف, وسيستند الرئيس المصري لتأكيد ذلك علي جهوده لتأمين سيناء, وعلي أن الانفتاح علي حماس يساعد علي ضبط الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية, ولن يتردد في تأكيد حق المواطنة الكاملة لكل المصريين في محاولة لضبط الإيقاع مع الأصوات التي تثير أوضاع غير المسلمين في مصر والعالم الإسلامي.
لا أعني بذلك أن نتائج الزيارة مضمونة, أو أن القضايا كلها سهلة, فكل شيء محل البحث, بما في ذلك التحدث فقط أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة, دون عقد لقاء رئاسي مصري أمريكي, فهناك موضوعات صعبة قد يري الجانبان تأجيلها لما بعد الانتخابات الأمريكية واستقرار الأمور مصريا, فسيكون علي الجانين الاتفاق حول مستوي وشكل التعاون العسكري بين البلدين, فهل تعتزم مصر تنويع مصادر تسليحها تدريجيا, وإلي أي درجة ومع من, وهل توافق الولايات المتحدة علي ذلك, وهل يستمر نمط التعاون العسكري المصري الأمريكي في الشرق الأوسط بما توفره مصر من تسهيلات, وهل تستأنف المناورات العسكرية المشتركة الضخمة, بما يحمله هذا من رسالة سياسية, وهل تعود الولايات المتحدة إلي إعطاء مصر الأولوية عربيا فيما يتعلق بالتكنولوجيا العسكرية كما كانت تفعل حتي عام1996, أم تتجه نحو وضع المزيد من القيود علي توفير الأسلحة المتطورة إزاء استقلالية القرار السياسي المصري. وقد يكون أصعب الملفات وأكثرها حساسية هو المرتبط بالتعاون المخابراتي بين البلدين, والذي تطور كثيرا في العقود الثلاثة الماضية, فهل تريد مصر الجديدة والولايات المتحدة مواصلة هذا التعاون, علما أن الكثير منه ارتبط بالتيارات الإسلامية المتطرفة. أوصي أن ينظر الرئيس للعلاقات المصرية الأمريكية محصنا بالآتي:-
أولا: الثقة في أن مصر مهمة للولايات المتحدة, بما يضمن لنا مساحة طيبة للاتفاق و مجال لإدارة الاختلافات.
ثانيا: القناعة بأن حسن إدارة العلاقات المصرية الأمريكية يجب أن يظل من أولوياته الدولية, فلا يوجد تناقض بين التعاون مع الولايات المتحدة و الاحتفاظ باستقلالية القرار المصري, مادام كنا أصحاب المبادرة الإقليمية, ومؤمنين لاحتياجاتنا الجوهرية من مياه, وغذاء, وطاقة, وتسليح, واستقر وضعنا الداخلي, فالابتعاد غير المبرر أو الانعزال عن الولايات المتحدة يضرنا بنفس قدر ما يضرنا الاقتراب المبالغ فيه منها.
ثالثا: الإيمان أن القوة والاستقلالية هي في القدرة علي الموافقة علي ما يحقق المصلحة المصرية بقدر ما تكون في رفض ما لا يخدم مصالحنا أو يمس بسيادتنا.
رابعا: القدرة علي التحدث بوضوح عن مستقبل مصر و طموحاته لها, مع مؤيديه و معارضيه من المصريين, أو العرب, أو المسلمين الأمريكيين, و منظماتهم, دون المبالغة في التوقعات, أو التهوين بالتحديات, فلدينا من الحجج و المواقف ما يجعل المصارحة بموقف واضح أقوي من المقاطعة.
أما رسالتي للرئيس الأمريكي القادم, كان أوباما أو حتي منافسه رومني, فهي أن الشعوب العربية التي ثارت في أوطانها ضد الظلم, تطلعا للعدل والحرية, لن تصادق من يعاملها كشعوب درجة ثانية, أو من تتسم مواقفه بالازدواجية علي حساب مصالحها بحماية إسرائيل من المحاسبة السياسية رغم توسعها الاستيطاني وإفشالها لجهود السلام العربية الإسرائيلية, وبمعارضة الولايات المتحدة للجهود الفلسطينية السلمية للحصول علي المزيد من الحقوق السياسية في الأمم المتحدة, أو بتعظيم أمن إسرائيل رغم استمرارها خارج نظام عدم انتشار الأسلحة النووية, في الوقت الذي يتم مطالبة الدول بقبول المزيد من الإجراءات التفتيشية المقيدة, فواجب النظام النووي الدولي هو درء مخاطر الأسلحة النووية عن الجميع.
وتوصيتي المشتركة لمرسي وأوباما هي أن يلتقيا قريبا ويعطيا العلاقات المصرية الأمريكية الاهتمام الذي تستحقه, فلقد عانت كثيرا من إهمال مؤسسات البلدين, وتم شخصنتها, وأصبح مدي الرضي الأمريكي عن مصر ومدي التقارب المصري الإسرائيلي المعايير الأساسية لتقييم العلاقات بدلا من أن تكون مصالح البلدين.

صحيفة الأهرام المصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى