الدخول من أبواب دمشق السبعة !

حاولت الدخول إلى مدينة دمشق من بواباتها سبع مرات لاكتشاف سرها، وكنت أعود فأقرأ عنها بشغف كبير، فما الذي تخفيه هذه المدينة الخالدة، ومن أين يمكن للعصر أن يكشف ما تخفيه؟!

كان قراري حازما : كل مرة أدخل من بوابة.. وأبحث عن سرها !

وشرعت بتنفيذ قراري، وفي كل مرة كنت أشعر أن شيئا ما يخذلني، قبل أن أكتب شيئا عن دخولي إليها، وكنت أسأل نفسي :هل فعلا سأكتشف سرها أم أن اللعبة استهوتني وحسب ؟ أنا سأحكي لكم قصة دخولي من أبواب دمشق السبعة، فانتظروا قليلا ..

في أول مرة، دخلت من باب توما، هل تعرفون باب توما، يا ألله ما أجمل باب توما عند المساء، عند المساء يزدحم الناس من كل أطياف المجتمع السوري، ترى دمشق صبية تتزين بأحدث الملابس والعطور. تراها مع أمها امرأة ترتدي ثوبا فضفاضا و((إيشارب)) رمادي، وتضحك عن أسنان بيضاء ناصعة ، ومن حولها تمر النسوة وهن يبحثن عن رداء جميل في سوق جميل يتصدره التاريخ !..

في المرة الثانية، دخلت من باب السلام، تعثرت قدمي بأرصفة الحارات الضيقة، إلى أن مررت قرب حمام شعبي ، شاهدت نورا يضيء من وجوه الخارجين منه، وشاهدت في بهو الحمام بحرة ونوافير وتاريخ ، واقتربت من الباب ففاحت رائحة البخور والماء المعطر بالغار ..

في المرة الثالثة، دخلت من الباب الشرقي، باب الشمس كما يسمونه لأنه يقع في الشرق، فجعلني الباب أشعر بالخشوع، فعلى يمينه وأنا داخل كنيسة حنانيا، وحنانيا هو أول كاهن في التاريخ يقاوم الحرب بالدواء.. أتعرفون حنانيا؟ بنى أول كنيسة في العالم هو الذي استقبل شاؤول المدجج بالسلاح الذي جاء ليقتله بالدواء، فآمن شاؤول بالمسيحية واصبح اسمه بولس!

في المرة الرابعة دخلت من باب كيسان، وهو باب أغلق وفتح عدة مرات في تاريخ دمشق، وقد وقفت مذهولا وأنا أقرأ قصة هروب بولس منه، وكيف سمي على اسم مولى معاوية ابن أبي سفيان .. عند باب كيسان تطل الغوطة كقطعة من الجنة لتفقأ عين الحساد !

في المرة الخامسة دخلت من باب الجابية وهو من الأبواب السبعة الأصلية لدمشق لم يبق منه إلا فتحته الجنوبية ، وفيها وجدت بائع شاي وقبرا متواضعا يقال إنه لامرأة اسمها الجابية !

في المرة السادسة دخلت من الباب الصغير، ومنه كنت أذهب إلى المقبرة الواسعة المزروعة هناك لأبحث عن قبور قامات المدينة العظيمة ، وفيها زرت قبور الصحابة والأولياء والرؤساء والعلماء والشعراء ..

في المرة السابعة دخلت من باب الفراديس في العمارة وهو باب لايعرفه الكثيرون لأنه مغمور الآن بالكتل السكنية و الأسواق التجارية.. وهناك كانت طفولتي في بيت عربي قديم .. كنت أذهب منه مع أبي إلى الجامع الأموي لنزور قبر صلاح الدين الأيوبي ورأس الحسين بن علي في بهو المسجد ..

أتعرفون ماذا كان سرها ؟

إنها متحف تاريخ وحياة له سبعة أبواب !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى